علينا أن نتوقع إصابات موجعة إذا جاء مجلس النواب بكتل ضاغطة من فلول مبارك والإخوان على غير طموح الثورة، إو إذا تلطَّخت إجراءاتُ انتخابه بأى عيب من العيوب التاريخية التى ضربت برلمانات مصر عبر عقود ممتدة، إو إذا قبِلت المحكمةُ الطعنَ فى صحة تشكيله! أقل الخسائر الضخمة تتمثل فى الجانب المادى الذى يُقدِّره البعض بأكثر من 10 مليارات جنيه! ويؤكد آخرون أنه يزيد كثيراً، لأن هذا ينحصر فقط فى بند الدعاية التى سوف يتكلفها المرشحون، ويضاعفون القيمة عندما يحسبون ما تنفقه الدولة فى البنود الهائلة الخاصة بالتجهيزات، من إعداد قوائم الناخبين، إلى طباعة الكشوف والبطاقات، إلى توفير وتهيئة المقار الانتخابية، إلى تكاليف التأمين الباهظة من الشرطة والجيش، إلى المكافآت التى يتحصل عليها القضاة والموظفون..إلخ. وأما ما هو أخطر من ذلك، فسوف يتمثل فى استمرار المرحلة المضطربة التى يتسبب فيها برلمان لا يحظى بالرضا العام الذى يمنح الشرعية السياسية والشعبية، كما كان الحال مع برلمان الإخوان، أو ما جرى بعدها من طول فترة غياب البرلمان، بما يعنى أن تمتد المرحلة الانتقالية التى يتولى فيها الرئيس والحكومة السلطة التشريعية، مع مسؤولياتهم التنفيذية، فى وقت يغيب فيه ممثلو الشعب عن الرقابة على الرئيس والحكومة، وهو ما أصبح يعانى من تبعاته الأغلبية الساحقة، وباتت ترفضه قطاعات كبيرة من فئات المتعلمين ومن أوساط السياسيين ودوائر العاملين بالعمل العام الذين يرون الهوة تزداد ابتعاداً عن مستهدفات الثورة، بل تتعارض مع الظروف العادية التى يجب أن تتوافر. بل إن كثيرين يُرجعون معظم المشاكل الحالية إلى غياب البرلمان، ليس فقط فيما صار البعض يصفه بأنه ارتعاش السلطة التنفيذية فى تصديها للإرهاب وهى دون سند قوى من ممثلى الشعب، أو فى ظاهرة وقوع قتلى فى تظاهرات تخلو من أى عنف حيث لا برلمان يُسائل ويحاسب، وإنما أيضاً فى إطلاق يد الرئيس والحكومة فى اتخاذ قرارات مصيرية بالبت والبدء فى مشروعات عملاقة قد تحتمل أكثر من وجهة نظر، كما أنها يجب فى كل الأحوال أن تخضع لرقابة ممثلى الشعب. لهذا ولغيره، كان أولى أن تتوافر أفضل الظروف لكى ندخل الانتخابات البرلمانية بثقة أكبر فى أن يكون الآتى أفضل، ولكن، وللأسف الشديد، فإن عوامل الثقة أقل، مع ترجيح احتمالات غير باعثة على الاطمئنان، خاصة بعد أن تبددت السنوات الأربع الماضية منذ اندلاع الثورة، دون أن يحدث تغيير معتبر على طبيعة المرشحين الذين هم العنصر الحاسم فى الانتخابات، ودون وضع قوانين تحظى بالتوافق العام وتخلو من شبهات عدم الدستورية، ودون أن نتجنب استفزاز من يسنون أسنانهم استعداداً لمعركة الطعن فى البرلمان لذبحه ذبحاً شرعياً على يد القضاء! لقد كانت الديمقراطية أهم شعار رفعته ثورة يناير، ولا يمكن فهم الديمقراطية إلا بإعمال شروطها الإجرائية التى أهمها الاحتكام إلى أصوات الناخبين، وقد كانت الفترة منذ ما بعد الإطاحة بمبارك من أفضل الأجواء للعمل السياسى فى صفوف الجماهير لكسب ثقتها، بعد أن كانت شكوى الأحزاب طوال عصر مبارك عن منعها من التواصل مع الشعب، ولكن جاءت أحداث ما بعد ثورة يناير لتؤكد فكرة جديدة لا تكتفى بأن استبداد مبارك وقوانينه الاستثنائية وقهر أجهزته هى العوامل الوحيدة التى كانت تحول دون تواصل الأحزاب والقوى السياسية والنشطاء مع الجماهير، وإنما تضيف إلى ذلك أسباباً أخرى خاصة بضعف أفكار هؤلاء وتواضع مهاراتهم فى العمل الجماهيرى، أى افتقادهم للإمكانيات الأساسية للحصول على الأصوات! وقد اكتشف بعض قيادات الأحزاب المتصدرين للمشهد هذا القصور فى جانبهم فسعوا إلى التحايل بأن يفوزوا عن طريق الإجراءات، بقوانين تحرم منافسيهم، بدأوا بالسعى إلى فرض القوائم الحزبية ليمنعوا الأفراد المستقلين من ذوى الجماهيرية، ولما لم ينجحوا فى هذا، طالبوا بقوانين تحظر منافسة رجال حزب مبارك، فى حين كان معظمهم من أشد مؤيدى مبارك، ولم يلجأوا إلى الانضواء فى أحزاب تبدو كأنها معارِضة لمبارك إلا على سبيل تحسين شروط التفاوض مع نظامه على مكاسب خاصة بأشخاصهم وبصحبتهم أو بالبزنس الخاص بهم وبصحبتهم. حتى قبل يومين فقط، وبزعم احترام الثورة والتقدير لأراوح الشهداء ومراعاة لمشاعر ذويهم، طالب البعض أن يُصدِر الرئيس السيسى قراراً بقانون ليمنع أحمد عز من الترشح للانتخابات، باعتباره رمزاً لما قامت الثورة ضده، وخشية أن يقضى فوزه على الثورة قضاءً مبرماً! ونسى المطالبون أنهم يعطون بإيديهم سلاحاً لمن يرغب فى الطعن فى شرعية البرلمان قبل أن يتشكل، بالطعن فى قانون يخرق أهم شروط التشريع فى أن يكون قاعدة عامة مجردة، لا يجرى تفصيلها على مقاس أحد! ومما يزيد من قتامة الصورة أنه لا يمكن الارتكان إلى أوهام أن الإخوان إما فى الحبس وإما مطاردون، وأنه ليست هنالك فرصة لأحدهم أن يخوض الانتخابات وأن يفوز، ذلك أن خلايا الإخوان النائمة تتجول بحرية ولها فرص كبيرة فى المنافسة، وإذا كان من الممكن التضييق عليهم فى القوائم، فإنهم مطلقو السراح فى المنافسة على المقاعد الفردية! وأما عن الضوابط والمعايير التى يُقال إنه لا تهاون فى تطبيقها، فقد بدأ إهدارها مبكراً، حيث رصدت بعض التقارير الصحفية أن عدداً ممن لم يحصلوا بعد رسمياً على لقب مرشح يقومون من الآن بتوزيع السلع كرشوة انتخابية، حيث زادوا أنابيب البوتاجاز على سكر الإخون وزيتهم! وهذا يلقى من الآن على اللجنة العليا للانتخابات عبء إثبات الجدية والحسم، وعليها أن تضع فى اعتبارها أن الاكتفاء بالغرامة لن يكون رادعاً لدى الكثيرين! إن قصر القوائم على 20 بالمئة من المقاعد، وتشتيت البقية بين المستقلين والحزبيين من خارج القوائم، مع عدم جواز تغيير الصفة، يجعل من المستحيل أن تتشكل أغلبية من أكثر من نصف الأعضاء! وإذا كان البعض يتصور أن هذا يعفى الرئيس والحكومة من ضغوط كتلة حاسمة، فإن آخرين يرون، على العكس، أنه قد يكون عنصر ضغط أكبر حيث يصعب إقناع أفراد ومجموعات صغيرة، مما قد يشعل الموقف أكثر ضد الرئيس والحكومة!