واضح تماماً أنها سمة قديمة وأزلية عند المصريين، الأفورة و المبالغة فى كل شئ، يبالغون فى التعامل مع فرعون حتى يصلوا به إلى مرتبة نصف إله و أحياناً إلى مرتبة إله، يبالغون فى بناء مقبرة لملكهم سوف تصبح بعدها بآلاف السنين من عجائب الدنيا السبعة وسوف يتوقف أمامها العالم بالفحص والبحث والدرس للوقوف على كيفية بناء هؤلاء المصريين لتلك الأبنية الهرمية الغريبة الغامضة التى سوف يبذل مهندسو العالم جهدهم فى محاولات اكتشافها واكتشاف دهاليزها واكتشاف كيفية صمودها أمام كوارث العالم المختلفة بدون استخدام أدوات البناء الحديثة و بدون استخدام أي أسمنت، مجرد قطع حجرية كبيرة مرصوصة فوق بعضها، هي عبقرية طبعاً، إلا أنها عبقرية ممزوجة بالأفورة. إنهم أوفر بطبيعتهم، ومتطرفون إلى أقصى حد، يبدعون ويتأملون ويجتهدون و يضعوا قواعد العلوم والمباديء الأساسية لكل ما وصل إليه العالم المتحضر حتى الآن و يتبوأون مقعدهم أعلى قمة سلم الحضارة بينما العالم من حولهم يتخبط في ظلمات الجهل، ثم يدعون أنفسهم لدوامات الحياه والأقدار التى تعصف بهم من أعلى قمة سلم الحضارة لترميهم فى غياهب بدروم العالم المتقدم. يعلمون العالم كل شىء أو لا يعلمونه شيئاً على الإطلاق، يضعون أسس الكتابة والقراءة ويخترعون العجلة الحربية و يُرسون أسس الهندسة والفلك والكيمياء والفيزياء والموسيقى وعلوم التشريح والتحنيط، أو لا يضعوا أسس أى حاجة خالص ويتركون أنفسهم للضياع في فضاء العالم المتقدم. يؤمنون بوجود إله واحد أحد قبل أن تكون هناك أديان و ديانات أو يتركون عقولهم لشوية شلحلجية وإرهابيين وهمج وتجار دين يتلاعبون بهم وبالدين وبالأخلاق وبالوطن وبكل بمعايير المنطق المتعارف عليها. وما يحدث الآن في الشارع المصري ليس سوى تنويعة على تيمة الأفورة التي يعيشها المصري منذ أرسى أجداده القدماء قواعد ما يمكننا أن نطلق عليها "أول دولة" في مطلع التاريخ وحتى أرسى أحفاده قواعد ما يمكننا أن نطلق عليها "اللا دولة" فى أيامنا الحالية. وبقليل من التدقيق فى المشهد سوف نكتشف أننا ندور بداخل حلقات مفرغة من الأفورة والتطرف فى التعبير عن المشاعر، إما نشاط وإما كسل، ماعندناش توازن، إما تفوق وإما فشل، ماعندناش نجاح وخلاص، إما الأوائل وإما الأواخر، ماعندناش وسط، إما ماننامش خالص من فرط العمل وإما ننام على طول من فرط الأنتخة، ما عندناش نوم طبيعي، تلك هى مشكلتنا الرئيسية. لذلك فليظل كلٌ منكم على توجهه وعلى قناعته الفكرية، ولكن بدون أفورة، بدون مبالغة، بدون تطرف، فليظل كل منكم على قناعته و لكن بعد تطعيم قناعته تلك بمصل المنطق المقاوم للمراهقة الفكرية والنفسية. ما تحرقوش كل مراكب المنطق مرة واحدة بأفورتكم حتى لا يجيء علينا وقت نحتاج فيه تلك المراكب من المنطق فما نلاقيهاش ونغرق في بحر العبث.