الإحباط سمة المرحلة، والغريب أن الجميع محبط، فأهالى الشهداء محبطون من استمرار سقوط أبنائهم وبناتهم وافتقادهم الأحبة ضحايا القتل العشوائى الغادر، ورجال الحكم محبطون من عدم القدرة على السيطرة التامة على مقاليد الأمور، خصوصًا فى سيناء واستمرار الملفات الإقليمية الصعبة، وأنصار تيار الإسلام السياسى محبطون بطبيعة الحال لخروجهم من السلطة نتيجة الرفض الجماهيرى، والحقوقيون غير راضين عن الأوضاع الحالية لافتقارها إلى أسس المحاسبة العادلة للأجهزة الأمنية وتعثر ملفى إصلاح الشرطة والعدالة الانتقالية واحتجاز الأبرياء. والمواطنون غير المسيسين محبطون من قهر الحياة اليومية العادية كالتعثر فى أكياس القمامة أو المعاناة من المواصلات اللا إنسانية وغيرها من قرف الحياة اليومية، خصوصًا مع انتشار التحذيرات الأمنية والقنابل بدائية الصنع، ومع استمرار الصعوبات الاقتصادية يبدو أن مرحلة عدم الرضا سوف تطول، وإن كانت البوصلة الأخلاقية ما زالت بخير لدى الغالبية، فالإنسان الطبيعى يتعاطف مع مقتل شيماء الصباغ دون ذنب اقترفته، ويتعاطف كذلك مع سقوط الضحايا فى الهجوم الغادر على سيناء، ومن هنا ما زالت الغالبية غير المسيسة تحاول الاستمرار فى الحياة والاحتفاء بمصادر قليلة للبهجة، كأن يفخر أب بإنجازات أبنائه أو تتفنن أم فى إعداد ولائم شهية لأسرتها، أو أن يتوافد أصدقاء لقضاء يوم جميل بمعرض الكتاب أو أن يجتهد عامل فى مهنته ويتفانى أستاذ جامعى فى التدريس لطلابه، ربما يكون من المجحف تفسير ثقل وتيرة الحياة اليومية المتمثلة فى العزوف عن السياسة بأنه لا ثورية ولا نسيان للشهداء بقدر ما يمكن تفسيره -مثلما ذكر الأكاديمى آصف بيات فى مقاله بصحيفة مدى مصر - أنه استراتيجية البقاء، وهذا ما يفسر فى الماضى القريب الرغبة الجماهيرية فى الإطاحة بكل من مبارك نتيجة الإحساس بفداحة أخطائه السياسية ثم الرغبة فى إنهاء رئاسة مرسى بعد أقل من عام من الاحتفاء به كأول رئيس منتخب لمصر بعد فقدانه مصداقيته، وفى الحالتين حب البقاء والرغبة فى الازدهار. فى الوقت ذاته لا ينفى العزوف عن السياسة خلو الحياة اللا سياسية من أفعال للاعتراض دون استخدام التظاهر فقط كوسيلة للاعتراض، فتلكؤ المشاة خلال عبور الشارع وتعطيلهم سير المرور اعتراض صامت، ومراجعة الطالب لأستاذه الجامعى اعتراض، بل وإهمال الموظف لعمله أيضًا اعتراض صامت، وغيرها من النماذج الكثيرة. وبعيدًا عن ثنائية أنصار التغيير الديمقراطى الحقيقى وأنصار بقاء الحال على ما هى عليه خوفًا من المجهول أو خوفًا على مصالحهم، يقع الرهان على الغالبية التى تقع فى المنتصف، أى الشعب الذى تراوح الإعلام بين الإشادة به وبوطنيته ونضاله تارة واتهامه بالغباء والجهل تارة أخرى، متجاهلًا بذلك معادلة إنسانية بسيطة وهى تغير المزاج العام وتغيره بتغير الظروف والمعلومات المتاحة وغريزة حب البقاء.