إبراهيم عيسى: السلفيين عكروا العقل المصري لدرجة منع تهنئة المسيحيين في أعيادهم    قائد المنطقة الجنوبية العسكرية يلتقي شيوخ وعواقل «حلايب وشلاتين»    بايدن: القنابل التي أوقفنا إرسالها لإسرائيل قتلت مدنيين    شديد الحرارة.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم الخميس    سعر البصل والخيار والخضروات بالأسواق فى ختام الأسبوع الخميس 9 مايو 2024    سعر الذهب اليوم بالمملكة العربية السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الخميس 9 مايو 2024    بعد غياب 10 سنوات.. رئيس «المحاسبات» يشارك فى الجلسة العامة ل«النواب»    الفصائل الفلسطينية تشارك في مفاوضات القاهرة    الأهلي يفاوض صفقة مغربية جديدة.. بديل علي معلول    ناقد رياضي يصدم الزمالك حول قرار اعتراضه على حكام نهائي الكونفدرالية    موعد مباراة روما وباير ليفركوزن في الدوري الأوروبي والقنوات الناقلة    خوان ماتا: كنت أتمنى مزاملة ميسي.. وهذا موقفي من الاعتزال    الأوبرا تحتفل باليوم العالمي لحرية الصحافة على المسرح الصغير    ماذا طلب كريم عبد العزيز بعد ساعات من وفاة والدته؟    مصطفى خاطر يروج للحلقتين الأجدد من "البيت بيتي 2"    ما الأفضل عمرة التطوع أم الإنفاق على الفقراء؟.. الإفتاء توضح    مواد مسرطنة في القهوة منزوعة الكافيين احذرها    حقيقة تعديل جدول امتحانات الثانوية العامة 2024.. اعرفها    «المصريين الأحرار»: بيانات الأحزاب تفويض للدولة للحفاظ على الأمن القومي    شوبير يكشف مفاجأة بشأن تجديد عقد علي معلول في الأهلي.. خلاف حول الراتب.. عاجل    معلومات عن ريهام أيمن بعد تعرضها لأزمة صحية.. لماذا ابتعدت عن الفن؟    انتخاب أحمد أبو هشيمة عضوا بمجلس أمناء التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي    جريمة تهز العراق، أب يقتل 12 فردا من عائلته ثم يتخلص من حياته (صور)    زعيمان بالكونجرس ينتقدان تعليق شحنات مساعدات عسكرية لإسرائيل    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 9 مايو في محافظات مصر    مصدر: حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية منفتحون نحو إنجاح الجهود المصرية في وقف إطلاق النار    الزمالك يشكر وزيرا الطيران المدني و الشباب والرياضة لدعم رحلة الفريق إلى المغرب    محافظ الإسكندرية يكرم أبطال سلة الاتحاد عقب فوزهم بكأس مصر    بعد إصدار قانون التصالح| هذه الأماكن معفاة من تلك الشروط.. فما هي؟    إعلام فلسطيني: غارة إسرائيلية على حي الصبرة جنوب مدينة غزة شمالي القطاع    6 طرق لعلاج احتباس الغازات في البطن بدون دواء    ارتفاع ضحايا حادث «صحراوي المنيا».. مصرع شخص وإصابة 13 آخرين    "الفجر" تنشر التقرير الطبي للطالبة "كارولين" ضحية تشويه جسدها داخل مدرسة في فيصل    سواق وعنده 4 أطفال.. شقيق أحمد ضحية حادث عصام صاصا يكشف التفاصيل    تعرف على سعر الفراخ البيضاء والبيض بالأسواق اليوم الخميس 9 مايو 2024    بالألعاب النارية، حشود جماهيرية تستقبل لاعبي غزل المحلة بعد الصعود للدوري الممتاز (فيديو)    مندوب الجامعة العربية بالأمم المتحدة: 4 دول من أمريكا الجنوبية اعترفت خلال الأسبوع الأخير بدولة فلسطين    برج الأسد.. حظك اليوم الخميس 9 مايو: مارس التمارين الرياضية    محمود قاسم ل«البوابة نيوز»: السرب حدث فني تاريخي تناول قضية هامة    رئيس هيئة المحطات النووية يهدي لوزير الكهرباء هدية رمزية من العملات التذكارية    أحمد موسى: محدش يقدر يعتدي على أمننا.. ومصر لن تفرط في أي منطقة    إنتل تتوقع تراجع إيراداتها خلال الربع الثاني    استشاري مناعة يقدم نصيحة للوقاية من الأعراض الجانبية للقاح استرازينكا    وزير الصحة التونسي يثمن الجهود الإفريقية لمكافحة الأمراض المعدية    وزير الخارجية العراقي: العراق حريص على حماية وتطوير العلاقات مع الدول الأخرى على أساس المصالح المشتركة    «زووم إفريقيا» في حلقة خاصة من قلب جامبيا على قناة CBC.. اليوم    عبد المجيد عبد الله يبدأ أولى حفلاته الثلاثة في الكويت.. الليلة    مستشهدا بواقعة على صفحة الأهلي.. إبراهيم عيسى: لم نتخلص من التسلف والتخلف الفكري    طالب صيدلة يدهس شابا أعلى المحور في الشيخ زايد    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل لنا في كل أمر يسراً وفي كل رزق بركة    دعاء الليلة الأولى من ذي القعدة الآن لمن أصابه كرب.. ب5 كلمات تنتهي معاناتك    بالصور.. «تضامن الدقهلية» تُطلق المرحلة الثانية من مبادرة «وطن بلا إعاقة»    محافظ الإسكندرية يشيد بدور الصحافة القومية في التصدي للشائعات المغرضة    وكيل الخطة والموازنة بمجلس النواب: طالبنا الحكومة بعدم فرض أي ضرائب جديدة    متحدث الوزراء: المواعيد الجديدة لتخفيف الأحمال مستمرة حتى 20 يوليو    متحدث الصحة يعلق على سحب لقاحات أسترازينيكا من جميع أنحاء العالم.. فيديو    أول أيام شهر ذي القعدة غدا.. و«الإفتاء» تحسم جدل صيامه    بالفيديو.. هل تدريج الشعر حرام؟ أمين الفتوى يكشف مفاجأة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فلان اللي مارضيش ياخد مني أجره
نشر في التحرير يوم 26 - 01 - 2015


ساعة لما قلت إنى رايح مظاهره
فلان اللى قاللى حيتنحى بكره
وحنفرح ونرقص وراح تبقى سهره
فلان اللى بالفيسبا طالع وداخل
يجيب اللى يتصاب من الضرب جوه
فلان اللى ف الضرب عند المداخل
يرجّع صحابه.. ويستنى هوّه
فلان اللى كان بيناولنى القزايز
ويقفلها بعد اما أعبيها جاز
فلان اللى يشرب ويسألنى عايز؟
فلان اللى كان وشه مليان قزاز
فلان اللى وزع عليك بطانية
ويسأل فيه جنبك مكان ع الرصيف؟
فلان اللى نازل عشان القضية
فلان اللى نازل عشان الرغيف
(من قصيدة فلان الفلانى لمصطفى إبراهيم).
هذا المقال لن يعجب أحدًا البتة.
إذا كنت من الثوريين الهاتفين دوما: الثورة مستمرة، فلا تقرأ.
إذا كنت ممن يظنون أن الثورة مؤامرة: امشى يالا من هنا هنرش مبيد.
إذا كنت من جماعة الإخوان أو من مؤيدى الإسلام السياسى: حسبى الله ونعم الوكيل.. أدعى عليك بإيه؟
إذا كنت ممن يهمسون بصدق: كم حاربتنى شدة بجيشها فضاق صدرى من لقائها وانزعج، حتى إذا آيست من زوالها جاءتنى الألطاف تسعى بالفرج. فهيا بنا نسترجع أنا وأنت ذكريات عصفت، ونتجرع المرارة بصبر، عسى الله أن يحدث بعد ذلك أمرا، ونقول: يا رب.
البداية
كانت البلاد فى كرب، وكان العباد فى غم... تماما كما هم الآن يعنى، لم يتغير شىء، لكن كان المختلف أنهم كانوا يعتقدون فى أفق مفتوح فى مكان آخر، تجربة جديدة فى زمن آخر، تغيير حقيقى يسمح لهم بحال آخر.
كان رجل يحكم البلاد لمدة 30 سنة، اقترف فيها الفظاعات والبشاعات -وطلع براءة... بس قشطة- الآن يقول عنه البعض بأنه وطنى... وهذا من نكد الدنيا علينا. هذا الوطنى أحنى رأسه للعدو الصهيونى كما لم يفعل رئيس من قبله. وضع مصر تحت تصرف الولايات المتحدة، كما لم يحدث من قبل -حدث من بعده بس قشطة- كنا نشعر بالخزى والجيران -الذين أصبح لاحقا التعامل معهم تخابرا- يقصفون ويقتل أطفالهم، والعالم أجمع يأكل وجهنا وينظر إلينا باحتقار، بما فى ذلك الولايات المتحدة، بينما يصرح سميك الجلد بأنه لا يحب التصريحات العنترية .
توغل رجال الأعمال فى مصر حتى امتلكوا كل مفاصلها، و نحلوا وبرها ، توحشت الشرطة، وعلا كعبها على أى قوة فى البلاد بما فى ذلك قوة الجيش، وعاثت فى الأرض فسادا تعذب وتقتل وترتشى بلا رادع -مثلما يحدث الآن يعنى... بس قشطة- وكان الناس يشعرون بالضجر والملل والغضب، لم يكن سبب الضجر والملل والغضب سوء الأحوال بقدر ما كانت هذه الأحاسيس نابعة من شعورهم بأنهم يستحقون الأفضل، ويمكنهم تحقيق الأفضل، وأنهم مثل علية فى فيلم أين عمرى الواقعة تحت قبضة عمو عزيز، لم تختبر من الحياة سوى المدرسة، وأنها تستحق أن تعيش شبابها، لكن عليها فى البداية التخلص من عمو عزيز.
بداية البداية
عودة إلى ما قبل البداية. شرفت بأن أكون ضمن الخمسين نفرا الذين كانوا من آن لآخر يقفون على سلم نقابة الصحفيين هاتفين ضد الأوضاع. كان المارة ينظرون إلينا بشفقة، لكن حاجزا من الخوف يمنعهم من اختراق صفوف عساكر الأمن المركزى التى كان تعدادها يفوق عدد المتظاهرين بمئة مرة، ليشاركونا الهتاف.
كان فى البلاد أقلام ومعارضون وإعلاميون، قالوا كلمة حق فى وجه سلطان جائر ودفعوا أثمانا باهظة، استمعنا إليهم، قرأنا لهم، تأثرنا بهم واتخذناهم قدوة -بعدين بقوا يقولوا علينا عملاء وممولين لما اتدبسنا... بس قشطة- وكان بعض الشباب يتحرك بشكل متفرق، لا أريد ذكر بعض الأمثلة حتى لا أنسى البعض الآخر، لكن أبرز التحركات كانت حركة استقلال القضاة التى تم القبض فيها على عدد كبير من الشباب وهم يهتفون: يا قضاة يا قضاة خلصونا من الطغاة انتو أملنا بعد الله ... هههههه يا عينى. والتحرك الآخر الأبرز كان فى السادس من أبريل عام 2008، وكان الأقوى فى محافظة المحلة، قتل اثنان، وفقئت أعين كثيرة، كانت الشرطة تطلق خرطوشها مباشرة على أعين المتظاهرين، تماما كما فعلت فى 28 يناير، وفى أحداث محمد محمود -بعدين قالوا الإخوان قتلوا المتظاهرين.. لكن وقتها كان الجميع يعلم أنها الشرطة.. بس قشطة- هذا لا يعنى أننا لم نعرف من قبل التظاهرات الحاشدة، لكنها كانت ذات طابع خاص: 1- عادة ما كانت لدعم غزة أو لبنان أو العراق ضد عدوان الاحتلال. 2- إنها دائما تجرى بداخل أسوار، إما أسوار الجامعة، وإما أسوار الأزهر، وإما أسوار مسجد الفتح... إلخ.
فى هذه التظاهرات عادة ما كان يشاركنا جماعة الإخوان المسلمين، كانوا يعلنون عن مشاركتهم بوضوح، وينزلون بثقلهم، وكلما هتفنا فى التظاهرة: يسقط يسقط حسنى مبارك ، علت هتافات أعضاء الجماعة للتغطية على هذا الهتاف بهتاف آخر: ع القدس رايحين شهداء بالملايين ، لكننى لا أذكر مشاركة للإخوان فى اعتصام للعمال، أو وقفة من أجل سجين -بمن فى ذلك سجناؤهم هم- أو حريات، أو أى شأن داخلى. ظل الشارع المصرى فى حالة فوران غير دورية حتى وصل إلى الذروة مع حركة الشهيد خالد سعيد رحمه الله. كان خالد سعيد يشكل صدمة طبقية للشارع المصرى، ده مش عيل صايع ولا شمام عشان يموت الموتة دى.
وبالطبع ليس خافيا على أحد أن المجتمع المصرى مجتمع طبقى بطبعه، بل إن الفقراء يعاملون أنفسهم بذات الازدراء الذى تعاملهم به الطبقة المتوسطة والمتوسطة العليا: ده بيه... مش زينا، لذا كانت الصدمة كبيرة، ولم يكن هناك أى تبرير يفلح فى إقناع الشارع المصرى بأن الشهيد خالد سعيد يستحق تلك القتلة، وإن كنت أعتقد شخصيا بأن حتى اللص أو القاتل لا يستحق التعذيب، فإن هذا الاعتقاد ليس سائدا فى المجتمع المصرى.
مواقع التواصل الاجتماعى والثورة
فى الواقع، ليس لدىّ معلومات كثيرة عن كيفية أو الظروف المحيطة بتحديد موعد يوم 25 يناير، لكننى نشطة على مدونتى جبهة التهييس الشعبية ، وعلى مواقع التواصل الاجتماعى، ووصلتنى دعوة إلى التظاهر يوم 25 يناير، وقالوا إنها ستكون ثورة، لا أخفيكم سرا، لم أكن أتمتع بأى أمل من أى نوع طوال السنوات السابقة، كنت أشارك فى التظاهرات وأزور اعتصامات العمال، وأقف على سلم النقابة، وأرتدى الأسود وأقف على الكورنيش لأقرأ سورة يس موهوبة لخالد سعيد.. كل ذلك من واقع إحساسى بالواجب، لا من واقع تصورى بأن هناك أملا فى التغيير: لما أقابل ربنا سأقول له لم أر الأطفال المتسولين فى الإشارات، والمشردين فى البرد، والمساكين فى العشوائيات وأصمت... لقد حاولت بقلمى فى صحيفة الدستور و الأهالى و القاهرة و نصف الدنيا وغيرها من الصحف، وحاولت بنفسى عبر المشاركة فى العمل التطوعى فى العشوائيات، وفى التظاهر لإعلان رفضى، ولا أُسأل عن غيرى، هذه كانت نيتى، لذا حين قرأت الدعوة وما تضمنها من أنها دعوة للثورة، بصراحة بصراحة بصراحة كده... ضحكت فى سرى، وقلت: حاضر.. سأشارك عشان الواجب، وسأدعو الناس إلى الواجب، بس ثورة إيه دى اللى بيتحدد لها ميعاد يا ولاد؟ بس اسكتى ماتحبطيش العيال.
فى يوم 24 يناير نزلت إلى الشارع لأقوم بواجبى فى الدعوة لليوم، مررت على مولانا المعظم سيدنا الحسين، وما زلت حتى هذه اللحظة لا أذكر، أدخلت إلى المقام أم سلمت من الخارج، لكننى صادفت الناس وقالوا إنهم سينزلون، إلا شخص ملتح قال لى: الثورة على الحاكم حرام.
وبمناسبة الشخص الملتحى، يبدو أنه كان سلفيا، لكن الشىء بالشىء يذكر، فإن جماعة الإخوان المسلمين أصدرت بيانا تقول فيه بأنها لا تنتوى المشاركة فى فاعليات يوم 25 يناير مع إيمانها الكامل بحق المواطنين فى التعبير عن رأيهم. كنت وقتها ألتمس دوما أعذارا للجماعة، قلت إنهم خائفون أن يتم نسب اليوم إليهم، كما أنه ليس من صالح التحرك أن ينسب إلى الجماعة... أصل أنا قعدت أحب الإخوان مدة طويلة، مش أحبهم يعنى أحبهم، بس كانوا بيصعبوا عليا عشان محظورة وعلى طول بيتشتموا، وكنت أقابل بعض أعضائهم من آن لآخر فأجدهم مبتسمون ومهذبون وغاية فى اللطف -دى كانت الطبعة الأولى قبل الثورة، اللى انتو شايفينه دلوقت ده الطبعة الجديدة بعدما ذاقوا السلطة واتسعروا، وأول ما اتسعروا اتسعروا على مَن طالما ساند حقهم فى الوجود والتعبير... بس قشطة- المهم، قمت بما ظننته واجبى ثم عدت إلى المنزل.
فى المساء قابلت أصدقائى، الذين تحولوا الآن إلى ضحايا الثورة، إما مصابين جسديا، وإما مصابين نفسيا، وإما مصابين جسديا ونفسيا وأسريا ومهنيا. كنا فى أحد محال وسط المدينة، كلهم يتملكهم ذات الشعور: لا أمل فى ثورة حقيقية ولا مشاركة للشارع، لكن سننزل لأن هذا واجبنا، كانت الليلة ساخرة: يلا يا ولاد ناخد صورة قبل الثورة بتاعة بكرة... هاهاهاها... الجميع يضحك عدا مالك مصطفى.
مالك مصطفى عادة صموت، لا يتحدث كثيرا، وقد لا يتحدث أبدا، لكن تأتيه لحظات، أنتظرها دوما، ماتعرفش بيتلبس ولا إيه؟ يسرد لك ما سيكون بتدفق غريب، كأن شخصا ما يلقنه فى أذنه، ثم يعود للصمت، طبعا هتقول عليا مهفوفة والثورة أكلت مخها. طيب، مالك مصطفى فى عام 2010 قال لى: أنت فى 2012 هتتجوزى وتجيبى بنت... بس هتزعلى يا نوارة، حد عزيز عليك هيموت، وعمرك ما هترجعى بعده زى ما كنت. فنهرته صديقتى فاطمة عابد: إيه يا مالك ده؟ حد يقول لحد كده؟ فهز كتفيه بلا اكتراث.
عودة إلى 24 يناير 2011، لمحت مالك صامتًا وسط ضحكاتنا، مطرقًا فى الأرض، ينظر بثبات إلى نقطة على الأرض، فقمت وجلست بجواره ونظرت إلى المكان الذى ينظر إليه، فابتسم ونظر إلىّ، فقلت: إيه؟ فقال: الناس حتنزل بكرة كتير، الشرطة حتضرب، الناس مش حتروح، حينزلوا وينزلوا، والشرطة حتضرب وتضرب، حتموت ناس، وتقبض على ناس، الجيش حينزل، حيمشى مبارك، ويمسك هو شوية، حيطلع دينّا، الإسلاميين حيمسكوا، بس حيمشوا، حيرجع حكم عسكرى، بعدين.. ثم جال بنظره إلى جميع الجلوس وعاد ونظر إلىّ: إحنا حنتعب قوى يا نوارة.. حنتعب.. فقلت: المهم حتصفصف على إيه؟ فقال: يمكن فى الآخر تبقى زى تركيا. فبدأت عضلاتى، التى كانت تجمدت من حديث مالك، فى الارتخاء: طيب الحمد لله يا مالك.. تركيا كويسة.. إحنا فى عرض ماليزيا يا عم، أى حاجة غير اللى إحنا فيه ده. لكن مالك لم يبتسم، بدا الألم على وجهه، وهزّ رأسه وعاد لصمته.
الحقيقة أننى لم أكن مرحبة فى البداية بنزول الجيش، ثم رحبت بعد ذلك، حنقول الكلام ده لما نوصل له.
اليوم المشهود
لكل مَن يزعم أن الناس نزلت يوم 25 وهى لا ترغب فى رحيل مبارك أقول بملء فمى: حضرتك يا إما كذاب يا إما ما نزلتش اليوم ده.
فى الصباح نزلت من بيتى، اتصلت بمالك عدلى المحامى، وأخبرته أننى نزلت وأن عليه متابعتى فإذا وجد هاتفى مغلقًا فليعلم أننى تم القبض علىّ، استقليت سيارتى، وتركتها فى شارع رمسيس، وتوجهت إلى ميدان التحرير الذى كان ثكنة بوليسية: الأمن المركزى يحيط بالميدان، سرت بجوار المتحف المصرى، يتبعنى مخبر، قابلت أحد زملاء الجامعة القدامى، حسن، كنا نقول له حسن ديفيد، أخبرته أن مخبرًا يتبعنى، فهز رأسه، وقال: شايفه.. تعالى. وسرنا سويًّا حتى وصلنا أمام ماسبيرو، فوجدنا تظاهرة كبيرة، فانضممنا إليها، أول هتاف هتفناه فى هذه التظاهرة، وكانت الساعة الثانية عشرة ظهرًا: ارحل.. ارحل.. ارحل. فكيف يقول البعض إننا نزلنا لتغيير حبيب العادلى لا لإزاحة مبارك؟ جبنا الشوارع دون أن يعترضنا أحد، قابلت عمر سعيد وطلبت منه أن يهتف هتافات لها علاقة بمعيشة الناس حتى يشجع الناس للانضمام، فابتسم وقال إن الناس لا تحتاج إلى تشجيع، لكنه نزل على طلبى، اتصل بى والدى وأنا فى شارع رمسيس: انت فين يا نوارة؟
قلت: احنا بنحرر مصر يا بابا.
صمت برهة، وجاء صوته مرتعشا بالبكاء: خلوا بالكو من بعض يا ولاد.
اتصلت بى أمى لتطمئن، فطمأنتها.
لا أدرى كيف وصلت المسيرة إلى شبرا، لكننا فجأة وجدنا أنفسنا فى شبرا، وفجأة ظهرت جحافل الأمن المركزى تطاردنا بعنف، ألقت القبض على البعض، وضربتنا بالغاز المسيل، ركضنا فى الشوارع الجانبية، قابلت شبابا، يبدو أنهم يعرفوننى، وربما أعرفهم، لكننى لا أذكر من هم الآن، ظللنا نركض ونركض، اتصلت بى أمى لتخبرنى أنها على علم بأن الشرطة تطاردنا وتضربنا، وقالت إنها لا تخاف، وإنها مسلمة لقضاء الله، وقالت إن صلاة الظهر قد حانت، وقالت يجب أن تصلى الظهر والعصر جمع تقديم حتى إذا ما قابلت الله لم يكن على صلاة (على مدى عامين ونصف كان هذا فحوى مكالمات أمى فى أثناء الاشتباكات)، بالفعل دخلت مسجدا وصليت فيه، كان فيه بعض الشباب المسيحى المختبئ من قوات الأمن، وقال لى أحد الأصدقاء: الكلام بقى مؤثر زى الأفلام يا نوارة، أنا اللى خبونى من الأمن عيلة مسيحية، طلعونى عندهم فى البيت، الموضوع كده شكله بقى وطنى بشكل لزج، ثم ضحك.
صليت فى زاوية الصلاة، ثم، قال إيه، باتخفى بقى، شيلت الطرحة ولبست مكانها الكوفية، ولبست البالطو اللى كنت ماسكاه فى إيدى، قال يعنى باعمل تمويه عشان قوات الأمن ماتعرفنيش وكده.
الغريب، أن جميع الرفقاء المختبئين فى زاوية الصلاة اتخذوا نفس الإجراءات، ومنهم من قلب الجاكيت على ظهره وارتداه. الأفلام أكلت دماغنا.
استقللنا تاكسى، وعدنا إلى ميدان التحرير لنجد أن المتظاهرين قد فتحوه عنوة، وأن قوات الأمن تراجعت لتقف عند شارع الشيخ ريحان. الميدان مزدحم بالناس، ناس... ناس عاديون جدا، هؤلاء الذين كانوا يرمقوننا بشفقة وتعاطف ونحن على سلم النقابة، ثم يمدون الخطى بعيدا عنا، كانوا بالميدان، فجأة انتابت الناس حالة سينتمنتالية، الجميع يحتضنون بعضهم البعض، حتى الرجال والنساء، وليس نساء ورجال ألا فرانكا ... لا.. دول موظفات تخان دول من بتوع المجمع، وموظفين قرع، كانوا موجودين، يحتضنون بعضهم البعض، ويبكون وهم مبتسمين، ثم هتفوا: أهم أهم أهم، المصريين أهم، دموعهم تنزل بحرقة. سمعت أحد الناس يقول: والله كنا محتاجين اللمة دى، وحشنا بعض.
رأيت شخصيات عامة كثيرة، طارق نور، السيد البدوى مر على الميدان وسط حاشيته وذهب، علاء الأسوانى متلفعا ببطانية يجلس على الرصيف، إبراهيم عيسى يتحلق حوله شباب كثر يسألونه: وبعدين هنعمل إيه بقى يا أستاذ إبراهيم؟ فأجابهم: انتو وراكو حاجة؟ مستعجلين على إيه؟ احنا قاعدين... قاعدين. بلال فضل يجوب المكان مبتسما بلا أى مبرر واضح... وناس كثر، سائقو ميكروباص، باعة، موظفون، شباب، كهول، قابلنى اثنان، لا أذكر من هما الآن، وقالا: شايفة؟ قلت: عايزة أشوف أكتر. فقالا: طب تعالى نشبك لك واطلعى على إيدينا شوفى الميدان. ففعلت. ووووووووووووووووووووووووووووووووو.
كنا نهتف: الشعب يريد إسقاط النظام.
قابلت أصدقاء سهرة الأمس فى الصينية فقالوا: إيه ده؟ دى طلعت ثورة بجد.
ظللنا هكذا حتى دقت الساعة الثانية عشرة بعد منتصف الليل، فقامت قوات الأمن بضربنا.
من خبرتى فى المشاركة فى المظاهرات، فإننا ما إن تقوم قوات الأمن بضربنا حتى نركض ونترك المكان، لم تكن قوات الأمن تحتاج إلى بذل جهد كبير حتى تفرقنا، لكن هذه المرة كانت مختلفة: الناس متنحة. هش.. مافيش هش.. بووووم... مافيش بوم.. طاخ... مافيش طاخ. سيارة الأمن المركزى تركض نحو الناس لتفرقهم، فإذا بالناس بدلا من أن تجرى من السيارة تجرى عليها، وإذا بهم يتسلقونها، وإذا بهم يوسعون الضابط الذى يطلق عليهم الخرطوش ضربا، ومش ماشيين -دلوقت بقت تهمة، إزاى تضرب حراس الوتن وهم بيضربوك يا كلب؟ بس قشطة.
لكن السلاح يغلب الشجاعة، والغاز لا يحتمل. فهرب الناس إلى المداخل الجانبية، وما إن يتجمع ثلاثة فى شارع جانبى، حتى يكونوا مظاهرة صغيرة ويخرجوا إلى الشارع الرئيسى، وهكذا حتى فجر يوم 26 يناير.
اتصل بى مالك مصطفى على الهاتف الأرضى لأن اتصالات الجوال كانت مقطوعة وقال: الجزيرة طالبانى أطلع معاهم وأنا هنا فى هشام مبارك بنتابع اللى اتقبض عليهم، ومش فاضى، ولازم صوتنا يوصل، اطلعى انت يا نوارة معلش.
كنت معبأة بالغضب، ما إن فتح المذيع فمه ليسألنى فإذا بى أقول له: احنا مش نازلين نهزر معاه... هو يمشى فورا.
أطلقت الدعوات لجمعة الغضب يوم 28 يناير.
أقسم بالله إن الشرطة قاتلة
هذه شهادتى على أحداث 28 يناير، وملخصها: الشرطة قاتلة. كيف يسمح ضمير البعض أن يقولوا بأن من قتل المتظاهرين يوم 28 يناير هم الإخوان؟
هو حد هيكره الإخوان قدى؟ لكن هذا لا يعنى أن أشهد زورا.
صليت الجمعة فى مسجد مصطفى محمود، ثم سرنا فى المسيرة، بدأت الشرطة تطلق الغاز من ميدان الدقى، كان الناس يتحلون بشجاعة عجيبة، فعادوا مرة أخرى للوقوف بثبات أمام حافلات الأمن المركزى التى كانت تريد أن تدهسهم، كان يقوم مجموعة من الشباب بتسلق سيارة الأمن المركزى، فيشير السائق إلى المتظاهرين بأن يتركوه، ويبكى ويقول بأنه عبد المأمور، فيتركونه، وما إن يتركونه حتى يطاردهم.
كنا على كوبرى قصر النيل حين بدأت الشرطة بضرب الخرطوش والرصاص الحى، شاهدت بعينى رأسى المصابين وهم ينزفون دما، بعضهم كان فى النزع الأخير، صلينا العصر على الكوبرى، وفتحت الشرطة المياه علينا، أوسعتنا الشرطة ضربا، كنت مع مَن هربوا إلى مداخل الزمالك.
الشرطة واقفة على كوبرى 15 مايو، لا تجرؤ على الدخول إلى منطقة الزمالك، وما إن نصل إلى كوبرى 15 مايو محاولين الوصول إلى ميدان التحرير، حتى توسعنا ضربا بالخرطوش والغاز. وقفنا نصلى المغرب على كوبرى 15 مايو، فضربونا بمجرد أن انتهينا من الصلاة. لفتنى أنه كان من ضمن المتظاهرين رجل على كرسى متحرك. فجأة انسحبت الشرطة، وسمعنا أخبارا بأن الجيش نزل.
قبلها كان الناس تهتف: واحد اتنين الجيش المصرى فين؟ ، الشرطة بتضرب فينا.. عايزين الجيش يحمينا . فقلت فى الناس: لا... ده جيش مبارك. فنهرنى الناس وقالوا: الجيش معانا. فصمت، إيمانا بالحس الشعبى يعنى.
بعد أن انسحبت الشرطة وظهرت دبابات الجيش، سرت فى الشوارع لأجد الناس ترحب بشدة بالجيش، وكان ضباط الجيش يعطون الماء للناس الذين يبدو عليهم الإرهاق. سرت على قدمى حتى وصلت إلى منزلى، منهكة، مصدومة، غاضبة.
هاتفتنى دعاء سلطان وهى تبكى قلقا على زوجها إبراهيم منصور، فقلت لها إننى قابلته على كوبرى 15 مايو وإنه بخير، ولا بد أنه عائد، لكن لا يجد مواصلة.
ثم اعتصمنا فى ميدان التحرير.
أجمل أيام حياتى
لم أخبر قط سعادة كتلك التى كنت أعيشها فى ميدان التحرير. خدوا بالكو من بعض يا ولاد هذه العبارة التى قالها لى والدى، كأن كل من فى الميدان سمعها، وفجأة كأن أسرتى تحولت إلى آلاف، بل إلى ملايين، أسير فى طرقات وسط المدينة وأنا أشعر بالأمان، لأننى لا أخاف من وجود الشرطة التى لم تظهر فى حياتى إلا لتعتقل أو تضرب أو تقتل.
حضرت بالطبع موقعة الجمل، وقال لك الإخوان اللى عاملينها... هههههههههه، الإخوان لو فالحين كده كانوا فضلوا فى الحكم. قال لى أحد الأطفال... أكرر أحد الأطفال، الذى كان مشاركا فى هجوم الجحافل المجهولة على ميدان التحرير فى يوم موقعة الجمل: أنا خايف... عايز أروح، هما هيضربونى؟ شعرت بالشفقة عليه، وأخذته لأخلصه، وأوصله بيته، تمكنت من تخليصه من المكان الخطر الذى كان فيه، ولا أدرى كيف خلصت نفسى؟ فقد كنت أقف بالضبط بجوار الدبابة التى فتحت للجحافل الميدان، كنت لحظته أحدث الضابط: الناس دى جاية تموتنا انتو بتفتحوا لهم ليه؟ فقال: دول شعب ودول شعب واحنا مانقدرش نضرب حد فيهم. فقلت: طب حوشوهم عنا.. بتفتحوا لهم ليه؟ هذا والحجارة المتبادلة تتطاير فوق رأسى. وأنا يا أخى لا باعرف أحدف طوب، ولا نيلة، ولا أعلم كيف لم أصب رغم وجودى شبكة فى المنتصف بين المعتصمين والمهاجمين. ثم وجدت هذا الطفل الباكى، فأخذته وسرت به حتى طريق الكورنيش: انت ساكن فين يا بابا؟
فقال: شبرا..
فقلت: وإيه اللى جابك هنا؟
فقال: جم ناس قالوا لنا تعالوا اضربوا بتوع البرادعى وهنديكو وجبة، فجيت. وأنا أسير معه وجدت الطفل يركض نحو أحد المهاجمين وقال: شكرا يا أبلة... ده عمى خلاص هاروّح معاه.
فجأة وجدت ضابطى شرطة يقفان عند الكورنيش، وكان لى زمن لم أر شرطة منذ أن انسحبوا فى 28 يناير فقلت لهما: مش بتضربوهم ليه زى ما ضربتونا. فقال ضابط الشرطة: مش انتو عايزين ديمقراطية؟ بيعبروا عن رأيهم.
لا أدرى لماذا لم يضربنى أحد رغم وجودى وحيدة وسط كل الجموع التى كانت متوجهة إلى الميدان بالسكاكين والعصى والسيوف... دعوة أمى بقى.
رغم هجوم البلطجية على الميدان كل ليلة فإننى كنت أشعر بالأمان فى الميدان، كنا ننام فى العراء، فأشعر بيد لا أعرفها تفرد على بطانية، كنت آكل، لم أجع أبدا فى الميدان، كل شخص يأتى ومعه أطعمة، والجميع يتقاسمها، هذا بخلاف النساء العجائز اللاتى كن يأتين بطعام شهى، وبعض البطاطين، يدعون لنا، ثم ينصرفن.
يا اااااه يا عبد الصمد... وددت لو إننى قضيت بقية حياتى بهذا الشكل، وآدى احنا قاعدين مع بعض.
كنت أختفى عن الميدان فى حالة واحدة فقط: المليونيات... لا ما أقدرش. أحب الميدان فى الليل، وكما يقول مصطفى إبراهيم:
الليل كما الغربال
أما النهار بيلم
والعبرة باللى ابتدا
قبل العدد ما يتم.
عموما إحنا بقينا عبرة فعلا يا مصطفى. المهم، فوتك فى الكلام. هل تذكر أولئك الذين كانوا يقفون عند بوابات الميدان يصفقون ويغنون: أهلا أهلا بالأحرار... يلا انضموا للثوار؟ أهو أنا واحدة منهم، كل ما افتكر نفسى أقعد أضحك والله. غلابة احنا.
اجترار الآلام فى عجالة
لو إن هناك وقت ومساحة لرويت لك كيف فشلت الثورة. آه ما هى فشلت، أومال نجحت؟ ومهندس عملية إفشالها هو الرئيس الآن.
إن كان الجميع الآن يحمل الإخوان جرائم لم يقترفوها، فإنهم لم يحملوهم الجريمة الوحيدة التى اقترفوها، ألا وهى فشل الثورة. بالطبع لأن الإعلام الذى يدعى بأن الإخوان هم من قتلوا المتظاهرين يرى أن فى إفشال الثورة شرف لا تستحقه الجماعة، لكن يا جماعة، إن كنتم ترون أن إفشال الثورة إنجازا، فعليكم تكريم جماعة الإخوان بشكل خاص، والإسلام السياسى بشكل عام.
كنا فى الميدان على قلب رجل واحد. الثورة لم تفشل مذ أن تولى مرسى الحكم وحيا المرأة بجميع أنواعها، وهرانا أبلج ولجلج، الثورة فشلت منذ أن أطل الإسلام السياسى برأسه مفرقا الناس: من قال نعم للتعديلات الدستورية دخل الجنة، ومن قال لا دخل النار. نعم للمسلمين، و لا للمسيحيين.
لا.. لم تكن هذه نقطة البداية. كانت نقطة البداية يوم 11 فبراير، حين تم إعلان تنحى مبارك فهتف الناس: الشعب خلاص أسقط النظام، فرد عليهم الإسلاميون: الله وحده أسقط النظام. وكأنهم احتكروا الله لهم، وكأن من هتف للشعب أشرك بالله، منذ هذه اللحظة ونحن متهمون فى إيماننا وديننا. منذ هذه اللحظة ونحن لم نعد على قلب رجل واحد، منذ هذه اللحظة ظهرت نوايا أنصار الإسلام السياسى الذين طفقوا يقبلون المسيحيين فى الميدان طوال ال18 يوما ويحتضنونهم.
قالت لى صديقتى الناشطة فاطمة عابد: والمسيحيين والإسلاميين هيفضلوا يحبوا بعض الحب اللزج ده بعد ما مبارك يمشى ولا الإسلاميين هيبينوا نفسهم لما تخلص حاجتى من جارتى. فقلت لها: يا شيخة تفاءلى خير.
لكنها كانت محقة.
برضه المسيحيين كانوا بيعملوا حاجة غريبة، كانوا بيتعاملوا مع الإسلاميين على أساس إن دول المسلمين اللى بجد، واحنا برانى، أو مسلمين على ما تفرج، فكانوا بيفرحوا قوى لما سلفى أو إخوانجى يتعامل معاهم كويس. ويهتفون: مسلم ومسيحى إيد واحدة. طب ما احنا مسلمين من زمان يعنى، انتو مش مصدقينا زيهم؟
لا داعى لاجترار الآلام الموجعة والمفجعة للعام ونصف الذى تولى فيه المجلس العسكرى قيادة البلاد، ثم العام الذى نكبت به مصر بحكم الإخوان.
المختصر: عام ونصف يقوم المجلس العسكرى بعقوبتنا على الاجتراء على الثورة. أو يقوم باستنزاف كل القوى المدنية والثورية فى مذابح عبثية، حتى لا يجد الشارع السياسى فى مصر سوى الإسلاميين فيضطر إلى انتخابهم، وهو طبعا هارش إن الإسلاميين دول بلاء من عند الله.
ثم، ستة أشهر برلمان إسلامى بامتياز، تم فيه تخوين كل الثوار، كان الإسلاميون هم من أسس للقب ستة إبليس وهم من قالوا إننا نتناول الترامادول، وهم من قالوا إننا نتقاضى 200 جنيه. ثم حل البرلمان الإسلامى، وبدا أنها لعبة متفق عليها بين المجلس العسكرى والإسلاميين ليحصلوا على الرئاسة، والطمع يقل ما جمع، طمع الإخوان فى الرئاسة، وأخذوها، ولخيرت الشاطر عبارة مشهورة: رجالة مبارك كانوا بيخدموه عشان بيراضيهم، احنا نديهم امتيازات أكتر وهيخدمونا أكتر.
فاتضح إيه بقى؟ إن رجالة مبارك عندهم مبدأ أكتر منك يا خيرت، ورفضوا التعاون معك، رغم إنك قدمت لهم كل ما يرغبون فيه، خونت الثوار، وخنت الثورة، وقتلتم وحبستم واقترفتم فى عام واحد كل الجرائم التى اقترفها مبارك فى 30 عاما. ده غير تقل دمكو.
وسيذكر التاريخ أن جماعة الإخوان أسسها حسن البنا سنة 1928 وقضى عليها خيرت الشاطر سنة 2012. سيذكر التاريخ أن مرسى هو أول رئيس فى العالم يثور شعبه عليه لإن دمه تقيل .
وبعدين قام إيييييه؟ قام وقعت فى حجر المجلس العسكرى تانى.
إيه بقى؟
وبما إن الجميع ينظر إلى المؤامرة، فلى حق كمواطنة، دخلت المشرحة على أعز الشباب لما يقرب من سبع مرات، وشممت غاز، وركضت من وخلف المدرعات، أن أنظر أنا الأخرى إلى نظرية المؤامرة.
شوف يا سيدى، حين كنا ندعو إلى يوم 25 يناير، ظهرت صفحة غريبة على فيسبوك ، انتشرت انتشار النار فى الهشيم، هذه الصفحة كان عليها صورة لبزة عسكرية وتحتها تعليق واحد... هذا:
:)
فهمنا جميعا إن الجيش يدعمنا.
أنا مافهمتش الحقيقة، عشان ما ادعيش لنفسى ذكاء مش عندى، بس هم قالوا لى... صحابى.
بعد 11 فبراير، كان أداء المجلس العسكرى كالآتى: ساعدونا وتعالوا اقعدوا معانا عشان نفهم... احنا أصلنا مالناش فى السياسة ومش فاهمين. وبالفعل جلسوا مع عدد كبير من الكتاب والشخصيات البارزة فى الثورة وشخصيات سياسية، قال إيه، بيحاولوا يفهموا منهم. ههههههههههه عثل عثل عثل.
يستقبلون الناس، ويبذلون كل جهدهم لإجهاد القوى الثورية حتى لا يكون هناك بديل للإخوان.
يستقبلون الناس، ويفعلون تماما عكس ما ينصحونهم به.
يستقبلون الناس، ليعرفوا بالبلدى ميتهم ... وسايقين على الناس العبط، واحنا مش فاهمين حاجة أصلنا مش بتوع سياسة!!!!! يوغتى.
قبل يوم 25 يناير، كان مبارك يعد ابنه جمال لتولى الحكم، وهو أمر كان يرفضه الجيش.
كان جمال يعد الشرطة ليفوق تعدادها تعداد الجيش، وليفوق سلاحها سلاح الجيش، ولتكون الأقوى والأكثر سيطرة.
قبل يوم 25 يناير، كان ضباط الشرطة بيتآلطوا على ضباط الجيش.
وكان يجب الخلاص من جمال، وكان يجب أن تنتبه الشرطة وأن تعى الدرس، لا بأس من ضرب المواطنين لكن عليها أن لا تنسى نفسها، وعليها أن تعى جيدا ألا حامى لها من الشعب الذى تنكل به سوى الجيش.
وحاجات كتير بالشكل ده.
وقد استفاد المجلس العسكرى تماما وحقق جميع أهدافه من ثورة 25 يناير، ويلا بقى نلم الليلة من العيال اللى عاملة لنا صداع دى.
المهم يعنى انتو كويسين؟ أنا الحمد لله، أصحابى ثلاث أرباعهم فى السجن، وتحققت نبوءة مالك مصطفى وأنجبت بنتا، ومات أبى، ولم أعد كما كنت فى سابق عهدى. لم يبق لى من ذكريات الثورة سوى صور لجثث لا تنمحى، دماء تغرق الأرض، شباب فى ثلاجات المشارح، أحلام مفزعة، زوجى ما زال حتى الآن يجز على أسنانه وهو نائم. لا أحدثه عما أتذكر، ولا يحدثنى عما يتذكر.
الجميع يقول لى بأن فاطمة الزهراء ابنتى نعمة على، لأنها لو لم تولد لكنت فى السجن الآن، والحقيقة أنها نعمة على، رغم خجلى منها، وقلقى على مستقبلها، لكن ليس لأنها حمتنى من السجن، فأنا لم يكن مصيرى الطبيعى السجن، لو كانوا جم يسجنونى كانوا هيدوروا عليا يلاقونى لابسة جلابية مخططة بالطول، ولافة رقبتى بخرقة، ولابسة منديل وشعرى طالع من الجناب ومنكوش، وماسكة مقشة وباكنس قدام مولانا المعظم سيدنا الحسين، وكل اللى ييجى داخل أوريه صور الشهدا وأقول له اقرأ لهم الفاتحة بالداخل.
فأنا دلوقت لما باغير لها باقول لها: يا طماطم يا حبيب دمر دمر تل أبيب، والحمد لله اللى جات على قد كده.
ماذا بعد أن فشلت الثورة؟
تنجح، نصبر، ننتظر فرج الله. هل من المعقول أن يضيع الله أرواحا طاهرة، وأعينا فقئت من أجل المستضعفين والفقراء؟
الأمل الوحيد فى الله، أما الآن فأنا أريد أن أعود للاستماع إلى عباس البليدى وحورية حسن ومحمد العزبى... وردى البيبان يا بهية، لا فيوم يظلموك، دارى العيون يا صبية، لا الناس يحسدوك، يا بهية وخبرينى مالهم بيك اللايمين؟ دى عيونك يا صبية بالحب مليانين، كل مجاريح الهوى، بيقولوا هى بهية، كل عشاق الهوى، ظالمين بهية.
ظلموا البنية يا عينى.
اتصل بى والدى وأنا فى شارع رمسيس: إنت فين يا نوارة؟ قلت: إحنا بنحرر مصر يا بابا.. صمت برهة وجاء صوته مرتعشًا بالبكاء: خلوا بالكو من بعض يا ولاد
كلما هتفنا فى التظاهرة: يسقط يسقط حسنى مبارك.. علت هتافات أعضاء الجماعة للتغطية على هذا الهتاف بهتاف آخر: ع القدس رايحين.. شهداء بالملايين
كنا على كوبرى قصر النيل حين بدأت الشرطة بضرب الخرطوش والرصاص الحى.. شاهدت بعينى المصابين وهم ينزفون دما
الثورة التائهة
شهادتى على ما حدث من 25 يناير إلى اللى إحنا فيه دلوقتى
فدايمًا بأقول
يا بن عمى وخلاص
المهم يعنى إنتو كويسين؟ أنا: الحمد لله.. أصحابى ثلاثة أرباعهم فى السجن
المسيحيين كانوا بيعملوا حاجة غريبة.. كانوا بيتعاملوا مع الإسلاميين على أساس إن دول المسلمين اللى بجد وإحنا برانى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.