ضرب الإرهاب فرنسا، ووجه ضرباته هذه المرة إلى صحيفة «شارلى إبدو» الساخرة. قتل 12 شخصًا منها، بينهم أربعة من أفضل رسامى الكاريكاتير فى فرنسا، وجرى قتل شرطى بدم بارد، بعد إصابته وتجريده من سلاحه، وهرب المجرمان إلى شمال شرقى باريس، حيث احتجزا عددا من الرهائن، إلى أن نجحت الشرطة الفرنسية بالتعاون مع القوات الخاصة فى قتلهما. ونفس الوقت احتجز رجل وامرأة عددا من الرهائن فى متجر يهودى بجنوب فرنسا، وأسفرت عملية الاقتحام عن مقتل أربعة من الرهائن. كشفت التحقيقات عن أن الإرهابيين مواطنون فرنسيون من أصول جزائرية، بينهم الشقيقان كواشى، اللذان كان على اللائحة السوداء الأمريكية لأخطر العناصر الإرهابية، وكان لهما نشاط بارز فى العمل مع الجماعات الإرهابية، وانتميا مؤخرا إلى تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام داعش . وكما قال الرئيس الفرنسى أولان هولاند، فقد شعرت فرنسا بالصدمة من هول هذه الجريمة الإرهابية، وطلب الرئيس الفرنسى من شعبه النزول فى مظاهرات ضد الإرهاب اليوم الأحد ، مطالبا كل الفرنسيين بالنزول إلى الشوارع لرفض الإرهاب. وقد تجاوبت الدول الأوروبية الكبرى مع فرنسا، وقرر الاتحاد الأوروبى عقد مؤتمر لمواجهة الإرهاب الشهر القادم، كما قررت المستشارة الألمانية ورئيسا وزراء إيطالياوبريطانيا السير فى المظاهرات الرافضة للإرهاب اليوم فى خطوات تضامنية مع باريس. وقد أعلن تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام داعش مسؤوليته عن هذه العمليات، التى وقعت فى قلب العاصمة الفرنسية باريس، وقد تضافرت مجموعة عوامل، كى تجعل رسالة العمليات الإرهابية، التى وقعت فى قلب باريس شديدة القسوة على فرنسا والدول الأوروبية المجاورة، فمن ناحية فإن هذه العمليات وقعت من قبل مواطنين يحملون الجنسية الفرنسية، ولدوا فى فرنسا، ومن ثم فلا علاقة مباشرة لهم بالوطن الأم، ومن ثم فهى تثير قضية الجيل الجديد من أصول عربية وإسلامية، وأعدادهم بالملايين فى أوروبا، ويصل العدد فى فرنسا إلى نحو ستة ملايين، وهى ظاهرة فى غاية التعقيد، ويصعب ضبطها. ومن ناحية ثانية فإن مثل هذه الحوادث تكشف عدم سلامة المنطق الغربى، الذى يرجع ظاهرة الإرهاب إلى الأوضاع القائمة فى البلدان العربية والإسلامية، فمن قام بالعمليات الإرهابية لا يعيش فى العالم العربى، وربما لا تربطه علاقة ببلاده الأصلية، فالإرهابيون الجدد مواطنون أوروبيون، ولدوا وترعرعوا على الأراضى الأوروبية. ومن ناحية ثالثة فإن وقوع مثل هذه العمليات يثبت عدم سلامة المنطق الانتهازى، الذى اتبعه عدد من الدول الأوروبية، ومن بينها فرنسا، باتباع سياسة ملتوية فى نفاق جماعات الإسلام السياسى، ظنا منها أن ذلك سوف يجنبها العمليات الإرهابية، فقد اتخذ الغرب موقفا ملتويا من عنف وإرهاب جماعة الإخوان والجماعات القريبة منها، لكن مثل هذه المواقف الملتوية لم تنجِّ فرنسا من نار الإرهاب. تعرضت فرنسا لضربات الإرهاب، وعلى يد شباب يحمل جنسيتها، وهناك آلاف من هذا الشباب، يقاتل مع تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام، ومثلما عانينا من ظواهر العائدون من أفغانستان، الشيشان، البوسنة وكوسوفو فسوف تعانى فرنسا ودول أوروبية مثل بريطانيا وألمانيا، وغربية أخرى كالولايات المتحدة وأستراليا وكندا من ظاهرة العائدون من العراق، وسوريا، وليبيا ، فما زرعته الأيادى الغربية من سنوات وتحديدا منذ الغزو السوفييتى لأفغانستان عام 1979، ثماره المرة تحصد اليوم وغدا.