هذا المبدع من أكثر المخرجين جماهيرية.. حفظ الجمهور اسمه كما يحفظون أسماء النجوم والنجمات، واعتبروه أحد أبطالهم الذي ينتقم لهم من كل الضغوط التي تسحقهم، هو أحد رواد السينما الواقعية الجديدة، إن لم يكن رائدها الأول، ظهر في فترة عصيبة من الفترات التي مرّت بمصر على جميع الأصعدة؛ سواء على المستوى الاجتماعى والسياسى والفني، لم ينجرف وراء سينما المقاولات؛ بل قاومها بكل قوته، ليظل الطيب أيقونة من أيقونات السينما المصرية. اليوم تحل ذكرى ميلاد عاطف الطيب، المولود في 26 ديسمبر عام 1947، بجزيرة الشورانية مركز مغاغة بمحافظة سوهاج. يقول الفنان ومدير التصوير، سعيد الشيمي، عنه: "لم يكن عاطف الطيب اجتماعيًا بالمرة، لكنه كان دائمًا هادئًا مبتسمًا، لم يتوقع له أحد هذا النجاح المبهر، خاصة أن مشاريعه في المعهد كانت متواضعة للغاية". سيرة ذاتية سريعة عمل عاطف الطيب، مساعدًا لعدد من المخرجين الأجانب الذين صوّروا أفلامًا في مصر، حيث عمل مساعدًا للمخرج لويس جيلبرت، في فيلم "الجاسوس الذي أحبني"، ومساعدًا للمخرج جون جويلر في فيلمه المأخوذ عن رواية غموض للكاتبة أجاثا كريستي "جريمة على نهر النيل"، ومساعدًا للمخرج ماكيل بنويل في فيلمه "الصحوة". وفي عام 1982 قدّم الطيب أول أفلامه، وحمل اسم "الغيرة القاتلة" من تأليف وصفي درويش، وبطولة نور الشريف ويحيى الفخراني، ونورا، لكن الفيلم لم يكتب له النجاح على المستوى الجماهيري، كما لم يرضِ النقاد، لكن الطيب، لم يتوقف وعاد في نفس العام؛ ليقدّم واحدًا من روائع أفلامه؛ بل من أفضل أفلام السينما المصرية على الإطلاق "سواق الأتوبيس" من تأليف الثنائي بشير الديك ومحمد خان، وبطولة نور الشريف، وميرفت أمين، وعماد حمدي، لتتجه الأبصار إلى هذا الشاب المختلف ويترقب الجميع خطواته التالية. لم يخيّب الطيب، ظن جمهوره أو النقاد؛ فقدّم عام 1984، فيلمه الثالث "التخشيبة" في التعاون الأول بينه وبين السيناريست الشاب وقتها "وحيد حامد" ومن بطولة أحمد زكي، ونبيلة عبيد، وتتوالى أفلام الطيب، حتى تبلغ 21 فيلمًا؛ أغلبها جاءت كعلامات مضيئة في تاريخ السينما المصرية، نذكر منها "ملف في الأداب" عام 1985، من تأليف وحيد حامد وبطولة مديحة كامل، وفريد شوقي، وأحمد بدير، و"الحب فوق هضبة الهرم" 1986، عن قصة نجيب محفوظ، وسيناريو وحوار مصطفى محرم، وبطولة أحمد زكي، وأثار الحكيم، و"البرئ" 1986، من تأليف وحيد حامد، وبطولة أحمد زكي، ومحمود عبدالعزيز، وممدوح عبدالعليم، و"الهروب" 1991، من تأليف مصطفى محرم، وبطولة أحمد زكي، وهالة صدقي، ومحمد وفيق، وعبدالعزيز مخيون، وأبو بكر عزت، و"ضد الحكومة" 1992، تأليف وجية أبو ذكري وبشير الديك، و "ليلة ساخنة" 1995، تأليف رفيق الصبان ومحمد أشرف، وبطولة نور الشريف، ولبلبة، وحسن الأسمر، وفيلمه الأخير "جبر الخواطر" 1998، من تأليف عبدالفتاح رزق، وسيناريو حوار بشير الديك، وبطولة أشرف عبدالباقي وشيرهان وعلاء ولي الدين وحسن مصطفى، وهو الفيلم الذي انتهى من تصويره عاطف الطيب في 1996، ولم يستكمل عمليات مونتاجه؛ فقام المونتير أحمد متولي، باستكمال المونتاج بمفرده، وتم عرض الفيلم للمرة الأولى عام 1998 في حفل افتتاح مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي. وفي 23 يونيو عام 1996، توفي عاطف الطيب، عن عمر يناهز التاسعة والأربعين، إثر أزمة قلبية حادة داهمته في أثناء إجراءه عملية لتغيير أحد الصمامات في القلب، ليتوقف نهر من الإبداع الخالص؛ حمل اسم عاطف الطيب. الساعي للقمة العيش ومحاربة الغلاء لا يمكن بأي حال من الأحوال فصل التغيرات السياسية والاجتماعية عن سينما عاطف الطيب، وهو الذي عاصر جميع التغيّرات المحورية التي شهدها الوطن؛ فعاصر ثور 1952، وانكسر مع الأمه في 1967 وعبّر مع العابرين إلى الكرامة في أكتوبر 1973، سعى إلى لقمة العيش محاربًا الغلاء والترف الزائف بعد سياسة الانفتاح، وشهد صعود الدولة البوليسية بعد اغتيال الرئيس الراحل محمد أنور السادات؛ فكان لا بد أن تكون كل تلك المتغيّرات عوامل أساسية في أفلام الطيب، إن لم تكن هي الركن الأهم فيها. "سواق الأتوبيس" والتاكسي ليلًا في عام 1982 قدّم عاطف الطيب من تأليف الثنائي محمد خان وبشير الديك، فيلمه الثاني "سواق الأتوبيس" والذي انتقد فيه الطيب بكل جرآة تبعات نظام الانفتاح الاقتصادي من خلال حسن سائق الأتوبيس نهارًا وسائق التاكسي ليلًا الذي يعمل ليجد له مكانًا في وطن استفحل الغلاء فيه، حيث يتعرّض حسن وعائلته لموقف مصيري بعدما يتم الحجز على ورشة والده لحساب الضرائب، بعدما سرقها زوج شقيقته؛ ليلهث حسن خلف أشقائه من أجل مساعدته، لكن تخلى الجميع عنه، في إشارة واضحة للأنانية والتفكك الذي رسخهما نظام "الانفتاح" لدى طبقة من المصريين. "البرئ".. الناي في مواجهة قانون الطوارئ في عام 1986، قدّم عاطف الطيب مع السيناريست وحيد حامد فيلم "البرئ" بطولة أحمد زكي، ومحمود عبدالعزيز، وممدوح عبدالعليم، وإلهام شاهين. البطل هو أحمد سبع الليل، المواطن البسيط الذي يلتحق بالجيش ليتم غسيل عقله وإيهامه بدور زائف في حماية الوطن، في أثناء حراسته لعدد من المعتقليين السياسين وأصحاب الفكر المعارضين للنظام، بل إن هذا البرئ والساذج أحمد سبع الليل، يتورط في قتل أحد المعتقلين "رشاد عويس" صلاح قبيل، في إشارة واضحة لحادثة مقتل المفكر والكاتب "شهدي عطية" إبان الحكم الناصري عام 1960. وفي الفيلم الذي راقب عمليات إنتاجه أربعة وزراء، وهم وزير الداخلية آنذاك أحمد رشدي، والمشير عبدالحليم أبو غزالة، وزير الدفاع وقتها، وأحمد هيكل، وزير الثقافة، ووزير الإعلام، صفوت الشريف، قدّم الطيب تحذيرًا شديد اللهجة من عواقب فرض الدولة لقانون الطوارئ والمصير المنتظر لمعارضي تلك الدولة البوليسية من مفكرين وكتّاب وأصحاب رأي. يذكر أن فيلم البرئ، اقتطعت منه نهايته الأصلية لفترة طويلة؛ لتختار الرقابة ووزارة الثقافة نهاية مبتورة لحين الانتهاء من التحقيق حول إذا كان الفيلم صوّر داخل معسكر اعتقال عسكري بالفعل أم لا، وإلى فترة قريبة كان الفيلم يذاع على التلفزيون المصري بتلك النهاية الركيكة التي اختارتها الدولة دون النهاية الأصلية التي قدّمها الطيب.