سواء شئنا أو أبينا سوف يأتى التغيير، ولا أقصد تغيير الشخصيات أو النخبة السياسية أو جماعات المصالح وشبكة المنتفعين أو تغيير الولاء من شخص لشخص، بل أقصد تغيير المنطق الحاكم لعلاقاتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو المنطق الذى يستند إلى الهيبة والسلطة والمال والنفاق والهمبكة، بدلاً من العمل والتفانى والمسؤولية والمساواة والمحاسبة والصدق. التغيير قادم لا محالة، وإن كان على المدى البعيد، لأن 60% من المجتمع المصرى أقل من 25 عاما، لا يمكن السيطرة عليهم، فقط علينا أن نشاهد سلوك جحافل الطلاب فى المرحلة الإعدادية والثانوية فى طريقهم مِن وإلى المدرسة، لا يمكن السيطرة على هؤلاء إلا أن قَبِلوا هم وأرادوا المُضى فى الطريق المرسوم لهم، وإن اختاروا أن يتمردوا فى المستقبل لن تسفر الأدوات التقليدية فى السيطرة عن نجاحٍ، فالنخب والوجوه المتكلمة فى التليفزيون الآن تُمثل الأقلية من حيث الشريحة العمرية، حتى وإن كانت هى التى تتصدَّر المشهد السياسى والإعلامى وتُربى فى الجمهور، لكن المخاطرة فى هذه المعادلة هى عدم القدرة فى التحكم فى النتائج النهائية، فالتغيير المنشود من الممكن أن يأتى بسلاسة وبخطط إصلاحية محسوبة فى مقابل محاولات سيطرة لن تتحقق أبدا بصورة كاملة، لأنها ببساطة لا تتماشى مع العصر الحالى. التغيير قادم لا محالة، لأنه لا يمكن فى عصر الإنترنت والكتب الإلكترونية وال بى دى إف السيطرة على ما يقرؤه الشعب، وإلا راقبنا كل جهاز كمبيوتر وكل ملف يُحَمِّلُه كل مواطن فى كل مكان، ومن هنا تأتى سخافة إجراءات مراقبة الكتب الواردة والصادرة، ليس فقط لأنها تستنزف جهود موظفين عموميين فى عمل لا جدوى منه ولا طائل سوى أنه تأدية واجب وإهدار لموارد بشرية، بل لأنها حتى لن تؤدى الدور المطلوب فى التحكم فى المجال العام بفاعلية. التغيير قادم لا محالة، فالثورات العربية جاءت نتيجة أوضاع تعبر عن اختلال وتناقضات اجتماعية واقتصادية صارخة لم يتغير منها شىء، كما تعبّر عنها الإحصائيات الرسمية والدولية من نسب فقر ومجتمعات عمرانية عشوائية وأعداد المدارس والمستشفيات... إلخ، ناهيك بمستوى الخدمات غير الآخذ فى الصعود، بل على العكس، وبالتالى بقاء الموازين ومستوى المعيشة كما هو يجعل التربة خصبة لتوترات اجتماعية، تنتظر الفرصة السانحة لتبزغ، أضف إلى هذا ضيق القنوات المعبرة عن الآراء البديلة، بما يكبت هذه التوترات تحت السطح، ويزيد من إمكانية انفجار آخر فى حال استمرار الأوضاع دون تحسن. التغيير قادم لا محالة، ربما نخسر سنوات أو عقودا قبل أن تصبح مصر تلك البلد التى نستحقها، التى تراعى حقوق الضعيف قبل القوى، والفقير قبل الغنى، والمريض قبل السليم، لكن صعوبة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لن تجعل هناك بديلاً سوى الاضطرار للعمل على تحسين الأوضاع لأجل الحفاظ على أى مصداقية أو شعبية حالية.