كشف تقرير جهاز المخابرات المركزية الأمريكية «CIA» عن أساليب بشعة استخدمتها عناصر الجهاز بحق المتهمين بالانتماء إلى تنظيم القاعدة، استخدمت هذه الأساليب لانتزاع الاعترافات، وقد تم استخدام هذه الأساليب من قِبل عناصر الجهاز مباشرة فى معتقل جوانتانامو وسجن باجرام فى أفغانستان وسجن أبو غريب فى العراق، ولم يكتف جهاز المخابرات المركزية الأمريكية بذلك، بل قام بتوزيع عدد من المعتقلين على عدد من الدول الحليفة لواشنطن أو غير الحليفة التى قبلت بالتعاون مع واشنطن فى تعذيب المتهمين لانتزاع الاعترافات منهم، ومن بين الدول التى كانت حليفة لواشنطن مصر والمغرب والأردن والسعودية، ومن بين الدول التى لم تكن حليفة سوريا وليبيا. الجميع تعاون مع واشنطن فى حفلات التعذيب لانتزاع الاعترافات. تدافع بعض الجهات الأمريكية عن تورط الجهاز فى مثل هذه العلميات القذرة بالقول إن هذه الأعمال وقعت خارج الأراضى الأمريكية، وكأن القضية الأساسية بالنسبة لهم هى مكان التعذيب، لا التعذيب فى حد ذاته. بعد صدور التقرير سمعنا بعض الأصوات الخافتة فى واشنطن التى تقول إن ما جرى يناقض قيم ومبادئ الدستور الأمريكى، وهو أمر صحيح، وسمعنا أصواتًا من داخل الأممالمتحدة تطالب واشنطن بالتحقيق فى هذه الجرائم، وأيضا عبارات عامة صدرت عن بعض المنظمات الحقوقية الدولية التى تنتقد ما جرى من عمليات تعذيب وحشية فى حق المعتقلين. وفى تقديرى أن هذه الأصوات لا تعدو أن تكون محاولة لتسجيل الموقف، أو ذر الرماد فى العيون، وأن الأمين العام للأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية تعلم تماما أن الأمر يقف وينتهى عند حدود التصرحيات، ولن يأخذ بُعدًا أكثر من ذلك، فلن يُطرح الموضوع على مجلس الأمن الدولى، فمثل هذه القضايا لا تحاسب عليها القوى الكبرى وتحديدًا العظمى منها، وإذا فكر أحدٌ فى طرح مثل هذه القضايا على المنظمات الدولية فسوف تشطب الدعوى فورًا، وفى مجلس الأمن فإن حق النقض الفيتو جاهز لإجهاض أى محاولة من هذا النوع، أما القضية الثانية الخاصة بالملاحقة فى محكمة جرائم الحرب الدولة، فإن واشنطن ليست عضوا فى المحكمة، ثم لا يجوز للمحكمة النظر فى قضايا تتعلق بها. القضية الثالثة وهى الخاصة بحق أى دولة من دول العالم التى يسمح دستورها بتوقيف المتهمين بارتكاب جرائم بحق الإنسانية أو جرائم حرب، مثل العديد من الدول الأوروبية، فإن السؤال هنا: من يجرؤ على توقيف مسؤول أمريكى سابق؟ فمنطق القوة هنا يطغى على الجميع ولا تجرؤ أى دولة فى العالم على توقيف مسؤول أمريكى سابق لأن واشنطن ستعتبر ذلك عملا معاديا لها ولن تقف مكتوفة الأيدى فى مواجهته. القضية الأهم هنا وماذا عن منظمات المجتمع المدنى والمنظمات الحقوقية التى لا تترك صغيرة ولا كبيرة تجرى فى دولة من دول العالم الثانى والثالث إلا وسجلتها وأصدرت تقارير خاصة بشأنها؟! ماذا عن أمنستى و هيومان رايتس ووتش ، وتحديدًا الأخيرة التى تتابع ما يجرى فى مصر ساعة بساعة؟! تتابع تظاهرات الجماعات المسلحة فى مصر وتصدر التقارير التضامنية معها؟! ماذا عن المجلس القومى لحقوق الإنسان، بل والسؤال هنا عن مواقف المنظمات الحقوقية المصرية مرهفة الحس التى تتابع انتهاك الجماعات المسلحة للقانون المصرى وتصدر التقارير المدافعة عن مجرمين وقتلة؟! لم نسمع عن أن منظمة من بين هذه المنظمات أصدرت تقريرا تفصيليا عن جرائم التعذيب التى مارسها أعضاء جهاز الاستخبارات المركزية الأمريكية. إنها السياسة التى تحكم كل التفاعلات، والتى تقول إن القيم والمبادئ ومن بينها حقوق الإنسان أدوات تستخدمها الدول الكبيرة لمحاسبة الصغرى فى حال الخروج على حدود مصالح القوى الكبرى، لكنها أبدًا لن تُستخدم فى مواجهة القوى الكبرى، فالقوة تخلق الحق وتحميه كما قال الرومان منذ قديم الزمان.