تقرير التعذيب الأمريكى الذى كشف عنه مجلس الشيوخ والتعذيب الوحشى الذى أشرفت عليه المخابرات الأمريكية «CIA»، هو فضيحة بكل المقاييس. فضيحة للدول التى استخدمتها المخابرات الأمريكية لتعذيب ضحاياها ومحتجزيها غير القانونين تعذيبًا بالوكالة ، وذلك قبل فضيحة أمريكا نفسها التى أشرفت بمخابراتها على تلك الجرائم الوحشية. وتقرير التعذيب يكشف أن قيادات الدول التى مارست التعذيب بالوكالة عن المخابرات الأمريكية -والذى تم نشر 500 صفحة منه بعد مناقشات مجلس الشيوخ والاحتفاظ ببقية التقرير أكثر من 6000 صفحة سرية- كانت عملية رسمية للمخابرات الأمريكية، وربما هو ما جعل معظم التقرير وذكر الأسماء سرا؛ خوفا على عملائها. ومع هذا فهناك بعض المنظمات الأمريكية المدنية استطاعت أن تصل إلى بعض الدول وقياداتها فى التقرير. وكان لمصر مبارك نصيب فى تلك الفضيحة، بل لعلها كانت أكبر الدول التى أسهمت فى وكالة التعذيب. فماذا حصَّل مبارك نتيجة ذلك؟ عمل مبارك كسمسار فى تلك العملية الوحشية، وقد أثير فى أثناء حكمه فى صحف المعارضة دوره فى ذلك، بعد تسريبات تقارير عن ذلك، وبالأسماء لصحف غربية ومواقع إلكترونية متخصصة، فضلًا عن تسريبات ويكيلكس التى اعتمدت على تقارير مخابراتية، وها هى أمريكا عبر مجلس شيوخها تعترف بذلك الآن، وتعلن للعالم الفضيحة الكبرى. يصف التقرير أن مصر هى الدولة التى استقبلت أكبر عدد من المعتقلين الذين أرسلتهم المخابرات الأمريكية، حتى إن رئيس الوزراء أحمد نظيف اعترف فى عام 2005 بأن الولاياتالمتحدة أرسلت نحو من 60 إلى 70 فردًا إلى مصر بدعوى الحرب على الإرهاب، وأكد التقرير أن هناك 14 عملية نقل معتقلين مرصودة خلال ولاية كلينتون قبل جورج بوش الابن اتجهت جميعها إلى مصر. ويقدم التقرير رصدًا للسجون المصرية، حيث تضمنت العمليات سجون طرة واستقبال طرة ومزرعة طرة وملحق المزرعة وليمان طرة وسجن العقرب المشدد. ويضيف التقرير أن مصر سمحت باستخدام مطاراتها ومجالها الجوى لرحلات طيران مرتبطة ببرنامج الاستخبارات الأمريكية للاعتقال، حيث سمحت مصر لرحلات طيران تديرها شركة جيبسين داتبلان باستخدام مطاراتها ومجالها الجوى، بالإضافة إلى رصد خمس رحلات على الأقل تديرها شركة ريكمور للطيران، سمحت مصر بدخولها إلى مطاراتها، من ضمنها مطارا القاهرة وشرم الشيخ للغرض ذاته. هذه اعترافات أمريكية باستخدام مبارك وأجهزته الأمنية ونظامه فى العمالة الواضحة للمخابرات الأمريكية، لتنفيذ أغراض طلبتها الولاياتالمتحدة بعيدًا عن أراضيها، فى الوقت الذى اعترف فيه أيضا مسؤولون مصريون بتلك العمالة. فهل يمكن محاسبة مبارك الآن على ذلك؟ وهل يمكن محاكمة مبارك جنائيًّا على عمالته للمخابرات الأمريكية؟ إنها قضية وجريمة متكاملة الأركان ومتورط فيها مبارك وأجهزته الأمنية.. فمتى تكون محاسبته على ذلك مع العلم أن قضايا التعذيب لا تسقط بالتقادم؟! واجب على الدولة المصرية الآن لمحو هذا العار أن تجرى محاكمة مبارك على تلك القضية.