"علِموا أبناءكم"، التعليم حق يكفله الدستور لكل طفل، فمن حق الطالب أن يجد مدرسة آمنة يتعلم فيها، بالإضافة إلى توفير بيئة جيدة لتحصيل العلم، هذا ما يحدث فى دول العالم، لكن التعليم في مصر يسير في الاتجاه المعاكس لباقي الدول. «اطلبوا العلم ولو في كفر الشيخ».. والأهالي: «بنينا المدارس والحكومة باعتنا» فالدولة لا تسعى لتوفير مدارس آدمية يتعلم فيها التلميذ، ولا تنتبه إلى المدرسة إلا بعد وقوع كارثة كبرى، فالتلاميذ في مصر يتعلمون في الشوارع، ويتعلمون في منازل، ويتعلمون في "مضيفة"، بالإضافة إلى أن المدرسين يعملون بأقل الإمكانات، وذلك لتكاسل المسؤولين. وتعتبر قرى كفر الشيخ من أبرز الأماكن التي تعاني من إهمال العملية التعليمية بها، فمدارس "5 و9 و11" التابعين لمركز الحامول بمحافظة كفر الشيخ، سقطت من حسابات المسؤولين عن العملية التعليمية. حرص أبناء قرى كفر الشيخ على تعليم أولادهم ولو بالجهود الذاتية، آملين في أن تصل إليهم يد الدولة لدعمهم، إلا أنها تخلت عنهم بسبب الروتين القاتل، على حد قولهم. فالمدرسة الأولى يتعلم تلاميذها في "مضيفة"، منذ عام 1988، والثانية يتعلم تلاميذها في منزل، والثالثة يتعلم التلاميذ فيها في مركز شباب القرية، إلا أنهم لم يلبثوا فيها، فطردهم أعضاء المركز، ليجدوا شوارع القرية أمامهم، وأهالي القرى الثلاث يستغيثون بالرئيس، ووجه أطفالهم كلمة للسيسي: "بص علينا ياريس إحنا نفسنا نتعلم ونبقى حاجة كبيرة في مصر". رصدت "التحرير" شبح الإهمال الذي سيطر على مدارس قرى كفر الشيخ، فمدرسة "11 الحفير"، التي جلس تلاميذها يومًا دراسيًا كاملًا في الشارع بعدما طردهم أعضاء مجلس إدارة مركز الشباب. "أطفال يبدو على وجوههم الإنهاك، بعضهم يلتزم بالزي المدرسي، والبعض الآخر لا، ومدرسة برز فيها تصدعات، جعلتها آيلة للسقوط"، صدر قرار إزالة لها عام 2005 إلا أنها لم تبن حتى الآن. قالت رؤيات السيد، إحدى المدرسات، إن المدرسة بنيت بالجهود الذاتية، وكثافة الفصول تتخطى ال47 تلميذًا، والفصول ضيقة، معلقة على ذلك "مش عارفين نتحرك، فمكنش فيه أي خيار قدامنا إلا نقل أبنائنا إلى مركز الشباب رغم ضيق الحجرات به"، وتساءلت لماذا لم تقم هيئة الأبنية التعليمية بإحلال وتجديد المدرسة منذ سنوات؟، مناشدة وزير التربية والتعليم بسرعة بناء المدرسة حفاظًا على سير العملية التعليمية. وأوضح عبد النبي محمود خليل، أحد أولياء الأمور "أننا خصصنا أرض من 2005 لبناء مدرسة تعليم أساسي لكن دون جدوى"، مضيفًا "اشتكينا وفي الآخر فوجئنا أن الأبنية التعليمية أغلقت المدرسة علشان يعملوا إحلال وتجديد، ولم يتم البدء فيها ومنعرفش ننقل ولادنا للمدرسة المجاورة بسبب انتشار البلطجية، هيبة المدرسة ضاعت"، وتساءل هل تنفذ خطة الأبنية التعليمية قبل الدراسة أم أثنائها؟، قائلًا: "المدرسة فيها 231 تلميذًا يروحوا فين؟". وأضاف مصطفى حامد، أحد موجهي الإدارة التعليمية بالحامول، أن الأمور مستقرة، والدراسة تسير على مايرام، وأنهم فضَلوا عدم نقل التلاميذ إلى مدرسة 13 الحفير، خوفًا على التلاميذ، مضيفًا أن هيئة الأبنية هى المسؤولة عن بناء المدرسة، وسيقتصر دور الإدارة التعليمية على الإبلاغ بحالة المدرسة. وكشف حامد أثناء حديثه، عن سوء حال مدرسة 9 الطرفاية، المجاورة للقرية 11 الحفير، والتي تبعد عنها ب3 كيلو مترات، وبها 181 تلميذًا، أنشئت عام 1988 بالجهود الذاتية، وهى آيلة للسقوط، مشيرًا إلى أن حمدي حسين، مدير المدرسة، أرسل استغاثات لرئيس الجمهورية بسرعة إنقاذ الأطفال من الضياع، قائلًا: "لا نستطيع العمل في ظل الظروف المحيطة بنا، فالأهالي يقومون ببناء مبانٍ جديدة بجوارهم، ما يؤثر على العملية التعليمية، إحنا عايشين وسط القمامة والولاد مش عارفة تتعلم". وقال عمرو أحمد، أحد التلاميذ بالمدرسة، "المدرسة خربانة وعاوزين واحدة جديدة، وإزاي هي بتخرّج أجيال تنفع المجتمع"، مضيفًا أنه لا توجد مياه في المكان المتواجدين فيه، معلِقًا: "ربنا خلقنا طبقات علشان نكمل بعضنا مش علشان ندوس على بعضنا، وإحنا عاوزين الرئيس يبص علينا ميروحش يبص على المدارس اللي فيها حمامات سباحة". وأضاف عمرو قائلًا: "إحنا بنسيب حصصنا، ونروح بيوتنا نعمل حمام ونرجع تاني، وإحنا من حقنا نتعلم في مدرسة نضيفة محترمة زينا زي أي حد". فيما أكد محمد مبروك، أحد الأهالي، أن "المدرسة آيلة للسقوط منذ سنوات وطالبنا بإنشائها إلا أن المسؤولين ودن من طين وأخرى من عجين"، قائلًا: "مفيش مسؤول عبّرنا مرة في حياتنا، وجه شاف حال المدرسة، وإحنا مبقاش عندنا أمل أن أولادنا تتعلم وتطلع حاجة تنفع المجتمع، رغم أن المدرسة دي زمان خرجت دكاترة ومهندسين ووكلاء نيابة، إلا إنها دلوقتي مبقتش تصلح لأي حاجة". أما مدرسة 5 الطرفاية، والتي تبعُد عن المدرسة الثانية بنحو 5 كيلو مترات، عبارة عن مبنى أبيض متهالك، مكوّن من طابق واحد، ولا يوجد حوله سور يدل على أنه مدرسة، ليس بها سوى مدرستين منتقبتين، ومدير مدرسة، الفصول عبارة عن غرف واسعة بها بعض المقاعد المتهالكة، بالإضافة إلى تلاميذ يجلسون على المقاعد المتهالكة من دون أحذية، والمدرسة الموجودة بالفصل لم تكن تشرح شيئًا والأطفال يتسامرون بصوت عالٍ. وأكد مدير المدرسة أن نبيل حلاة، محافظ كفرالشيخ الأسبق، افتتح هذه المدرسة عام 1988 بعد أن قام الأهالي بعدة شكاوى، يتضررون من عدم وجود مدرسة، فقرر المحافظ أن يتعلم أبناء القرية بصفة مؤقتة في هذه "المضيفة"، وبالفعل تعلموا لكنها أصبحت آيلة للسقوط وأرسل الأهالي عدة شكاوى للمسؤولين، وأدرجت المدرسة في خطة الإحلال والتجديد، منذ أعوام إلا أن هيئة الأبنية التعليمية، لم تبدأ في بنائها حتى الآن؟. مواطنون يرغبون في تعليم أبنائهم، ليصبحوا شيئًا صالحًا في مجتمع أصبح لا مكان فيه لغير المتعلمين، ومسؤولون غير متحملين للمسؤلية، وغير قادرين على توفير بيئة مناسبة، لتخريج أجيال قادرة على قيادة الوطن، وأطفال يتمنون أن يلحقوا بقطار التقدم ويحرصون على التعليم إلا أن البيئة المحيطة بهم لم تساعدهم. والسؤال هل يستمع الرئيس لاستغاثات المواطنيين والتلاميذ ويوفر لهم مدارس يتعلم فيها أبناؤهم؟!