ما إن انتهت معركة التصويت فى أول انتخابات حقيقية على منصب رئيس الجمهورية، التى استمرت على مدى يومى 23 و24 مايو 2012، حتى بدأت على الفور معركة فرز الأصوات فى اللجان المنتشرة فى طول البلاد وعرضها. وبدأنا نتابع النتائج القادمة من هنا وهناك، من قبلى وبحرى. نتائج تزيد من فرص هذا المرشح، وأخرى ترفع من أسهم ذاك! والناس تترصد الأخبار بشغف، وقلق، وضيق، وتوتر، وانفعال، وحرق دم، ولعنات، وابتهالات! وبدأت المعارك الساخنة على مواقع التواصل الاجتماعى فى الإنترنت! فالبعض يؤيد هذا بشدة، والبعض الآخر يهاجم ذاك بحدة، والأرقام الصماء تتوالى علينا من كل اتجاه، لتزيد التوتر، وترفع من درجة الانفعال، وتضغط أكثر على أعصاب الناس. مما دفع البعض إلى الهجوم على الشعب ذاته الذى يصوت لجلاديه من عصابة المخلوع، كما هاجم آخرون الثوار الذين رفضوا التوحد فى مواجهة الفلول! إذن المعركة الحقيقية ليست بين أشخاص بعينهم، ولكنها بين اتجاهات سياسية أو فكرية أو عقائدية! إذ يمكننا أن نرى أن المعركة فى جوهرها بين أنصار الثورة من جانب، وأعدائها من الجانب الآخر. كما يمكننا أن نتابع المشهد باعتباره يعبر عن فريقين متصارعين. أحدهما يؤيد الدولة المدنية، والآخر يميل إلى الدولة الدينية، أو بتعبيرهم «ذات المرجعية الدينية». ويمكننا أيضا أن نرى الصورة باعتبارها خلافا حادا بين مذاهب سياسية، فثمة فريق يؤمن بالفكر الرأسمالى (اليمينى)، وفريق آخر يؤيد الفكر الاشتراكى (اليسارى)، كما يمكن أن ننظر إلى هذه المعركة الانتخابية باعتبارها موقعة حاسمة لإنهاء ديكتاتورية حكم العسكر الرابض فوق صدور الناس منذ ستة عقود متواصلة. وإذا كانت هذه جميعا وجهات نظر لها ما يؤكدها من الواقع، إلا أننى أرى أن قضيتنا الأهم فى هذه المعركة هى قضية الديمقراطية، وهى ذاتها قضية ثورتنا العظيمة. فالثورة قامت ضد الظلم والفساد والاستبداد، ومن أجل تحقيق قيم العدل والحرية والكرامة، ولذلك فالمهم فى هذه الانتخابات أن تنتهى بانتصار أحد مرشحى الثورة، بغض النظر -فى هذه اللحظة التاريخية- عن الليبرالية أو الدينية، أو اليمين أو اليسار، إذ إن المهم هو أن ينهزم أعداء الثورة من الفلول، هزيمة تزيحهم عن المشهد السياسى، حتى نتخلص نهائيا من أنصار الظلم والفساد والاستبداد. وبغض النظر عن نتيجة المرحلة الأولى، ووصول أحد الفلول إلى جولة الإعادة، فإننا يجب أن لا ننسى أن الثورة نجحت فى قطع رأس النظام الفاسد، ونجحت كذلك فى الدفع بالوطن فى اتجاه الديمقراطية، لكننا بالقطع لن ننتقل من ديكتاتورية استمرت ستين عاما، إلى نظام ديقراطى فى أشهر، إنما لا بد أن نتدرج فى طريق الديمقراطية خطوة بعد أخرى، ومن ثم فالثورة مستمرة حتى نتطهر من قاذورات النظام الساقط، وحتى نحقق أهداف ثورتنا النبيلة.