ما زال هناك كثير من الأسرار التى صاحبت فترة الثورة من 18 يناير حتى تنحى الرئيس السابق.. هناك غموض يتعلق بشخصيات شاركت فى الأحداث.. هناك حالة من غض الطرف عما حدث فى تلك الفترة بعد تورط مسؤولين فى جرائم لن تُغتفر.. ومن بين هؤلاء المسؤولين من يحاول أن يعود إلى المشهد.. ويرى أنه الأَولى فى الترشح للرئاسة.. وهناك من الأبواق الإعلامية التى عملت مع النظام السابق وأجهزته الأمنية وكانت تتحرك بتعليماتها تحاول الآن رغم فقدها المصداقية أن تبيض وجوها وكائنات تواطأت مع النظام المخلوع.. ومع هذا هناك نقاط ضوء تخرج وتكشف وتفضح... تخرج لتضع الحقيقة بين الناس. تخرج لتكشف المتآمرين والساكتين عن شهادة الحق.. تخرج لتفضح المتواطئين والمستفيدين دائما من كل الأنظمة.. من نقط الضوء فى أحداث ثورة 25 يناير التقرير المهم والرائد الذى أصدرته المبادرة المصرية للحقوق الشخصية عن قتل المساجين فى أثناء الثورة تحت عنوان «شهداء خلف القضبان».. كلنا يعلم أنه منذ 28 يناير الذى شهد انسحابا كاملا لقوات الشرطة وحدوث الانفلات الأمنى الذى لم يتم محاسبة أحد عليه حتى الآن ولا إجراء تحقيق فيه بل إن حالة الانفلات ما زالت موجودة حتى الآن وسط فشل «عظيم» من وزارة الداخلية والقائمين على إدارة البلاد، شهد عدد من السجون حالة من الفوضى حيث انتشرت الاضطرابات فى كثير من هذه السجون وهرب السجناء بأعداد كبيرة من خمسة سجون: أبو زعبل والمرج والفيوم ووادى النطرون وقنا. ومع هذا لم يقترب التقرير المهم الذى أعده باحثون مخلصون ومهنيون من تلك السجون وإنما أجروا دراستهم على خمسة سجون أخرى تقع فى أربع محافظات هى سجون طرة والاستئناف فى القاهرة والقطا فى الجيزة وشبين الكوم فى المنوفية والأبعادية فى دمنهور، وقد اعتمدوا فى تقريرهم على إجراء عدد ضخم من المقابلات الشخصية والهاتفية مع نزلاء بهذه السجون أو أقارب لهم.. كما تضمنت الإفادات التى حصل عليها الباحثون شهادات من أقارب لسجناء لقوا مصرعهم داخل السجون.. كما جرى فحص عدد من شهادات الوفاة والصور الفوتوغرافية وتسجيلات الفيديو المصور عبر كاميرات هواتف محمولة داخل السجون فى أثناء وقوع الأحداث.. وتوصلت الدراسة المهمة من خلال الدلائل والشهادات التى تم تجميعها إلى أن السجون الخمسة جرى فيها قتل عدد كبير من السجناء بشكل جماعى بواسطة ضباط السجن فى الفترة ما بين 29 يناير و20 فبراير مما نجم عنه مقتل أكثر من 100 سجين وإصابة مئات النزلاء داخل هذه السجون وحدها.. وقد جرى قتل السجناء بشكل متعمد فى أغلبه ولم يكن مرتبطا على الإطلاق بمحاولات هروب أو فى أثناء التصدى لحالات تمرد داخل السجون، . وأوضحت الشهادات والدلائل أن إطلاق النار فى هذه السجون كان فى أغلبه يستهدف الجزء الأعلى لا الأسفل من أجساد الضحايا. وفى سجن قطا على سبيل المثال تضم قائمة السجناء القتلى الصادرة عن نيابة شمال الجيزة الكلية أسماء 33 سجينا لقوا مصرعهم فى الفترة من 25 يناير إلى أول مارس منهم 31 سجنيا أشارت القائمة إلى أنهم لقوا مصرعهم نتيجة الإصابة بطلق نارى (أى بالذخيرة الحية) وكانت الإصابة فى 14 حالة منهم فى الرأس أو الوجه أو الرقبة فى حين كانت إصابات 14 سجينا آخر فى الصدر والبطن والظهر.. أى أن 28 من أصل 31 سجينا فى قائمة النيابة تعرضوا لإصابات قاتلة فى الجزء الأعلى من أجسادهم كما أن أغلب حالات إطلاق الرصاص لم يسبقها توجيه أى إنذار إلى السجناء، وهو ما يشير مرة أخرى إلى أن الهدف من إطلاق النار لم يكن منع سجناء من الهرب وإنما القتل العمد.. وفى سجن ليمان طرة قام ضباط السجن يوم 29 يناير بإطلاق النار على السجناء داخل العنابر مما تسبب فى مقتل عدد منهم وإصابة عشرات آخرين.. وفى بعض العنابر قام الحراس بإطلاق النار على السجناء داخل الزنازين بينما ألقوا بالقنابل المسيلة للدموع داخل عنابر أخرى، وحين تمكن السجناء من الخروج من الزنازين للهروب من الغاز أطلقت عليهم النار فى فناء السجن، ولم يتوقف الأمر عند إطلاق النار العشوائى بل إن شهادات واردة من ليمان طرة تشير إلى أن بعض رجال الأمن توجهوا إلى العنابر مباشرة وأطلقوا الرصاص على السجناء من مسافات قريبة. أصر جميع السجناء الذين أدلوا بشهاداتهم فى تقرير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية على أن إطلاق النار لم يكن موجها إلى سجناء حاولوا الهرب وإنما كان موجها ضد من كانوا داخل العنابر. جرائم لن تُغتفر.. نستكمل غدا..