قالت: «توقفت منذ فترة طويلة عن الأحلام، أحلام اليقظة وأحلام النوم.. أعانى من أعراض اكتئابية مزمنة بدأت بمرض أمى وتفاقمت بوفاتها، كما أننى لم أتوقف منذ خمس سنوات عن تناول حبة السيبرالكس الدواء المضاد للاكتئاب يوميا، رغم ارتفاع سعره، أضحى بأى احتياجات إلا الدواء، ورغم أننى أعتقد أنه بلا فاعلية فمعه وبه الاكتئاب يلازمنى وفاعليته هى مجرد تخفيف للأعراض لكن من يعلم كيف ستكون حالتى دونه؟ شاركت فى الثورة بالصدفة ثم بقصد ثم باهتمام ثم شفيت من الاكتئاب. وأعتقد أن هذا هو حال كثيرين، ما زلت أداوم على السيبرالكس ولا أجرؤ أن أتوقف مع أنى أصبحت مقبلة على الحياة بالفعل. وعودة الأحلام إلى عقلى أحد الأدلة. نمت فى تلك الليلة من الليالى الأولى فى شهر رمضان مهمومة بأحوال الثورة.. رأيت مناما واضحا تذكرته بنفس الوضوح وما زلت أتذكره. رأيت أننى أسير مع اثنتين من صديقاتى والطريق غير صالح للسير، مرتفعات ومنخفضات وأجزاء منفصلة عن أخرى، والأرض طينية، كنا نسير بحرص لكن دون أى شعور بالخوف على العكس كنت أشعر أننى مبسوطة... فجأة أصبحت فى مكان منخفض ومطلوبا منى أن أتسلق درجة عالية طينية لكى أعود إلى صديقاتى وأستكمل السير. وضعت ذراعى على الدرجة المرتفعة وأخذت أحاول أن أرفع جسدى لأنقله فكان ثقيلا، ساعدتنى صديقتاى، أمسكتا بذراعى لسحبى إلى أعلى، حاولت معهما تسلق أى شىء على الحائط الطينى ففشلت، كنت بالفعل أثقل من قدرتى وقدرتهما. استيقظت على صوتى أقول (لازم حد يرفعنى من تحت، مش نافع الشد من فوق). انتهى الحلم ولم أتمكن من الصعود، استيقظت على عكس المتوقع هادئة، لم يسبب لى الحلم أى إزعاج بل اعتبرته رسالة تستحق التأمل. على العموم أنا لم أتخذ قرارا بتأمل الحلم لأنه ظل يطارد أفكارى طوال اليوم. أولا لأنه جاء بعد فترة توقف طويلة عن الحلم، وثانيا لأنى تصورت أن فيه ردا على ما يحيرنى. لم أقل لك إن ما يحيرنى هو البحث عن دور حقيقى لأشارك به فى التغيير، اكتفيت من القراءة والبحث والمتابعة، بل (اكتفيت) كلمة غير معبرة، أنا فاض بى. تأكدت أنه لو استمر الحال بى فى نفس الطريق سأعود إلى اكتئابى المزمن. وفسرت الصوت فى نهاية الحلم الذى يقول (أنا محتاجة حد يرفعنى من تحت)، معناه أننى سأجد نفسى فى تعليم وتوعية من هم أقل منى تعليما ووعيا. كبرت فى دماغى، وقررت وحدى أن أبحث عن تلاميذ أعلمهم على قدى، وأوعيهم على قدى. شرحت فكرتى لصديقتى التى كانت معى فى الحلم، فلم تتحمس لأن تكون معى، قالت إنها ستساعدنى فقط فى البحث عن التلاميذ. أكدت أنه ليس سهلا فى هذه الأيام إقناع التلاميذ أن يتعلموا. قالت إننى تأخرت قليلا وإن الحماس الذى صاحب الثورة بدأ فى التراجع. فوجئت عندما تناقشت مع الشاب الذى يقوم بتوصيل السوبر ماركت ومع السيدة التى تساعدنى فى أعمال المنزل أنها محقة، التلاميذ ليسوا متوافرين. أرسلت إلىّ صديقتى السيدة التى تساعدها هى، وكانت متحمسة جدا للانتظام فى الدراسة، ما زلت أقوم بالإجراءات التنظيمية، وستبدأ الدراسة هذا الأسبوع، وإذا نجحت فسأكتب تجربتى ليستفيد منها آخرون». إيه رأيك؟ هذه هى حكاية زميلتى فى الدراسة الثانوية (سمية – موظفة كبيرة فى الحكومة – عمرها خمسون سنة – أم وحيدة) نقلتها لكم بتصرف.