الله يجازيك يا شعبان عبد الرحيم.. مؤكد أنك أنت الذى قمت بتغشيش عمرو موسى كل الإجابات التى استمعنا إليها فى مناظرته مع أبو الفتوح. لا بد وأن هناك خطًا كان مفتوحًا مع شعبولا وسماعة موضوعة فى أذن موسى يتلقى منها الإجابات أولا بأول، لأن عمرو موسى إذا تُرك لنفسه فهو بالتأكيد يعرف أن إيران ليست دولة عربية، لكن من يجهل هذه المعلومة هو شعبان عبد الرحيم.. وعيب المرشح الرئاسى أنه وثق فى حبيبه المطرب الشعبى لدرجة عدم مراجعة إجاباته فى السياسة والاقتصاد، فقام بنقلها إلى جمهور المشاهدين كما هى. لقد كانت ليلة أُنس من النوع الفاخر، قدمت إلينا كلام شعبان عبد الرحيم وثقافته السياسية، لكن على لسان «عزيز بيه الأليط» بكل عنجهيته وترفعه.. كان ينقصه فقط السيجار ينفخه فى وجوهنا مع قدح الكورفوازييه! لقد حصل لنا فعلا الأنس والسرور بعد أن شاهدنا العرض المجانى ورأينا عمرو موسى الذى يغنى له مؤيدوه فى الريف «آه يا واد يا ولعة» لا يقوى على النطق بجملة مفيدة توحد ربنا.. كله كلام هجائصى ينطقه بفخامة من يقول الدرر! مشكلة عمرو موسى أن ما تصوره مصدر قوته كان نقطة ضعف بالغة فى هذه الليلة، فلئن كانت المراوغات الدبلوماسية التى تجعل الشخص يتحدث ساعتين دون أن يقول شيئا.. لئن كانت ميزة عند دبلوماسيى البلاد الموكوسة الذين لا توفر لهم دولهم من أسباب القوة ما يتيح لهم الجلوس مع كبار ساسة العالم والتحدث معهم بكلام محترم ومفهوم، فلا يتبقى لهم إلا ممارسة أساليب الحواة التى يتصورونها من دلائل الدبلوماسى البارع ورجل الدولة.. فإن مواجهة جمهور الناخبين فى مناظرة سياسية بنفس الأسلوب هى كارثة حقيقية، فما معنى أن يسألك المنافس إذا كانت إسرائيل عدوًّا أم لا، فترد على طريقة عبد المنعم مدبولى فى مسرحية «نمرة اتنين يكسب»، وتظل تردد والله يعنى.. والله يعنى.. دون أن تجيب! هل إسرائيل مجرد دولة لنا معها خلافات يا عم الحاج؟ أإلى هذا الحد يخشى عمرو موسى من السعودية التى تدعم حملته؟ لدرجة الخشية من التصريح بأن إسرائيل عدو! وما معنى معايرته عبد المنعم أبو الفتوح بأنه قال نعم فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية بينما عمرو موسى قال لا؟ لقد كنت أنا شخصيًّا ممن قالوا نعم فى هذا الاستفتاء، وليس للإجابة بنعم أو لا أى علاقة بثورية الناخب أو فلوليته.. فماذا قصد موسى بهذا غير أنه نقل ما سمعه من شعبان عبد الرحيم دون أن يمحّصه؟ هل هناك تفسير آخر؟ وما معنى الكلمتين اللتين قرأهما موسى من الكتاب الذى زوّده به أنصاره ثم ظن أنه يوجه إلى أبو الفتوح بهما ضربة قاضية؟ لا شك أن شعبان عبد الرحيم الذى لا يجيد القراءة والكتابة هو من أشار على صاحبه بهذا الأمر، لأن من قرأ الكتاب لا بد وأن ترتفع أسهم أبو الفتوح لديه. وأى معارضة هذه التى كان يبديها عمرو موسى فى وجه حسنى مبارك؟ ومتى وقع هذا الخلاف الذى ظل يتحدث بشأنه بينه وبين سيد الأنطاع؟ إن معارضة مبارك كان يترتب عليها كوارث عديدة ليس من بينها التمتع بخيرات منصب الأمين العام للجامعة العربية. وكيف جَرؤ موسى على القول بأنه رحّب بترشح مبارك للرئاسة لأنه رآه أفضل من ابنه جمال؟ إن هناك بدائل أخرى يعرفها الناس فى هذه الحالات منها رفض الأب والابن معًا، والمشاركة فى النضال والثورة التى قامت ضدهما وكان من رموزها عبد المنعم أبو الفتوح. ولقد كان من الملحوظ فى اللقاء أن أبو الفتوح لا يتحدث عن برنامجه إلا ويقول نحن أو الحملة أو الخبراء، بينما عمرو موسى لم يترك كلمة «أنا» طوال المناظرة، وظل يتحدث عن فتوحاته فى إفريقيا دون أن يذكر أن تلك الفتوحات ترتب عليها أن دولة واحدة من إفريقيا لم تصوت لصالحنا عندما تقدمنا لتنظيم كأس العالم وحصلنا على الصفر الشهير! ثم ما معنى أن يبادر الدكتور أبو الفتوح بتقديم كشف شفاف لذمته المالية وممتلكاته ولحالته الصحية بالتفصيل، بينما يحجم عمرو موسى عن إخبار الشعب الذى يتطلع إلى ثقته بحجم ثروته وحالته الصحية ويقرر أنه سيعلن هذا بعدما يفوز! فهل بعد الفوز يكون لإقرار الذمة المالية أى معنى؟ إن الشفافية فى إعلان الثروة قد تكون أحد أسباب حسم الناس ترددها فى التصويت، فهناك من ينحاز إلى المرشح القريب من حاله، كما أن هناك مَن ينحاز إلى المرشح الغنى الذى يظنونه لن يمد يده إلى المال العام لعدم حاجته إليه.. وتعمد عمرو موسى إخفاء عناصر ثروته عن شعب مصر مثير للريب، كما يعنى احتقاره الناخبين وعدم الثقة فى أهليتهم وحقهم فى معرفة كل كبيرة وصغيرة عن مرشحهم. لقد كان لهذه المناظرة حسنات، منها أنها كشفت للناس حقيقة عمرو موسى التى كان يجهلها الكثيرون من البسطاء، وأنه جندى مخلص فى كتيبة المخلوع، لكن من عيوب مناظرات كهذه أنها تعلى من قيمة البلاغة اللفظية على حساب التاريخ الوطنى والكفاءة، لكن الحمد لله أنها حتى بهذا المعيار لم تمنح عمرو موسى أى مزايا. كذلك لنا أن نفخر أن العالم العربى كله تابع المناظرة بشغف.. وهذا استفتاء على حجم مصر وقيمتها ومسؤوليتها عن آمال الشعوب العربية فى الحرية والعدل.