لم تغير الثورة وجه مصر السياسى فحسب، ولكنها بدلت مظاهرها وعاداتها الاجتماعية أيضا. صلاة عيد الفطر هذا العام بدت مختلفة لأقصى درجة، اختفى منها الرئيس المخلوع وأركان نظامه الفاسد، ليتصدر المشهد التيارات الإسلامية وبعض القوى السياسية، وتتبدل لافتات الحزب الوطنى المنحل، بلافتات الإخوان والسلفيين والجماعة الإسلامية، بينما تراجع حديث خطباء العيد عن الزكاة والتكافل بين المسلمين، مقابل صعود لافت لأحاديث السياسة والانتخابات ومستقبل مصر، وبعض الدعاية لمرشحى الرئاسة المحتملين. جماعة الإخوان المسلمين، كانت صاحبة الحظ الأوفر بين مختلف القوى السياسية والتيارات الإسلامية كافة، فى السيطرة على ساحات العيد، التى بلغت هذا العام 3452 ساحة، مستندة إلى ضخامة جسدها التنظيمى الكبير، بينما نافستها، من مسافة ليست بالبعيدة، التيارات السلفية والجماعة الإسلامية. ساحة مسجد مصطفى محمود، التى ارتبطت فى الفترة الماضية بفلول النظام السابق، تقلص الحضور فيها، لأول مرة منذ منذ 13 عاما، ورغم سيطرة جماعة الإخوان عليه، فإنها لم تنجح فى جذب الأعداد المعتادة، ليسحب ميدان التحرير بساط «الشو الإعلامى» منها، خصوصا بعد قرار منع الاختلاط بين النساء والرجال، وهو ما كان يميز مشهد صلاة العيد فى ساحة مسجد مصطفى محمود منذ إنشائه عام 1986، فى استدعاء لحالة الصلاة فى الحرم. بيانات الحزب الوطنى المنحل اختفت من ساحة مسجد مصطفى محمود، بينما نسقت جماعة الإخوان مع حزبها الحرية والعدالة فى تنظيم الصلاة، قبل أن يهنئا الشعب المصرى بزوال الحكم المستبد، فى بيانين مستقلين. المفكر الإسلامى الدكتور محمد عمارة خطيب صلاة العيد فى «مصطفى محمود»، قال إن عيد الفطر هذا العام، له مذاق مختلف، لأنه «أول عيد يحل على المصريين بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير»، مطالبا الجميع باستكمال أهداف الثورة، والتخلص من رموز الفساد، والحفاظ على كرامة المصريين، موجها التهنئة لجموع الشعوب العربية التى ثارت من أجل التغيير والحرية. ساحة مسجد الحصرى، فى مدينة السادس من أكتوبر، توافد عليها آلالاف المصلين، مثلت أعضاء التيارات السلفية العدد الأكبر منهم، بينما طالب خطيب العيد هناك الشيخ محمد حسان، بضرورة منع أى مظاهرات أو اعتصامات «حتى ولو كانت المطالب مشروعة»، من أجل «تحريك عجلة التنمية»، على حد قوله. لم يكن حزب النور السلفى غائبا عن المشهد فى مسجد الحصرى، وكان وجودهم لافتا، تماما مثلما كانت الحال بالنسبة لأنصار المرشح المحتمل للرئاسة الداعية حازم صلاح أبو إسماعيل، حيث تم الترويج لبرنامجه الانتخابى بين المصلين، الأمر الذى كرره أنصار حملتى البرادعى والعوا فى عدد من المحافظات.. وعلى مسافة قريبة من «الحصرى» سار الداعية الإسلامى عمرو خالد، فى خطبته فى مسجد «هايبر» على نهج الشيخ محمد حسان، بدعوته إلى عودة عجلة الإنتاج وتأجيل المظاهرات. الدعاية السياسية، كانت غائبة تماما، فى مسجد الفتح، فى رمسيس، لكن هذا لم يمنع إمام المسجد الشيخ عبد الحفيظ الغزالى، من توعية المصلين سياسيا «سنشهد بعد هذا العيد الانتخابات البرلمانية، وأصواتنا فى الانتخابات أمانة»، قبل أن ينبه «انتخب من يقيم شرع الله، وإلا كنت شاهد زور»، على حد قوله. الديمقراطية العلمانية، ومبدأ الفصل بين الدين والدولة، كانا عنوان المنشور الذى وزعته الدعوة السلفية قبل وبعد صلاة العيد، فى مختلف المحافظات، بينما كان «عيد الحرية»، هو شعار البيان الذى وزعه حزب الوسط، بينما كان بيان الجماعة الإسلامية أكثرة حدة وشراسة، بالإشارة إلى أن «أى تشريع بعد الثورة، لا بد وأن يخضع لشرع الله»، أما جماعة الإخوان المسلمين، فروجت لبرنامج، حزبها «الحرية والعدالة». فى الإسكندرية اعتبر الداعية السلفى حازم شومان، أن الحشد الذى قارب 50 ألفا فى صلاة العيد، فى مصلى مسجد التقوى، فى شارع الترعة المردومة، فى منطقة غبريال غرب الإسكندرية، هو دليل «على الهوية الإسلامية لمصر»، بينما قال القيادى السلفى الشيخ ياسر برهامى، فى منطقة الساعة، بحضور نحو ثلاثة آلاف مصل، إن مصر بعد الثورة فى مفترق طرق، ومستقبل الأجيال القادمة متوقف على الجيل الحالى، الذى يجب أن تتم تربيته على تطبيق شرع الله، قبل أن يطالب المصلين بأن لا يكونوا سلبيين «لا تستأذنوا أحدا فى أن تعبدوا الله، وتطبقوا شريعته، ومن يخالف ذلك سيكون فرعونى الدم»، وقال المتحدث باسم الدعوة السلفية، عبد المنعم الشحات، خلال خطبته «أنا مسلم وأريد تطبيق الشريعة، وأى حرية يريدوها الآخرون إباحية». من جانبه عاتب خطيب مسجد القائد إبراهيم، الشيخ أحمد المحلاوى، فى الإسكندرية، الدعوة السلفية وجماعة الإخوان المسلمين على ما سماه ب«تفريق» المسلمين، بتقسيم ساحات صلاة العيد فى ما بينهم «السلفيون والإخوان فرقوا فرحة المسلمين»، بينما أطلق هذا العيد عيد «الشهداء والأحرار». «الله أكبر الله أكبر.. الذى أراحنا من النظام السابق» كررها الشيخ أحمد شاكر العدوى، خلال خطبة صلاة العيد فى المسجد الكبير، فى المنيا، قبل أن يصعد عشرات من الشباب، مبنى مرتفعا تحت الإنشاء، فى مواجهة المسجد، حيث أشعلوا أعلام إسرائيل، بينما هتف بعضهم «إسلامية.. إسلامية». وفى القليوبية، وفد الآلاف على الساحات الشعبية، ومراكز الشباب لأداء صلاة العيد، فى ساحة الروضة فى شبرا الخيمة، وطالب إمام وخطيب مسجد النور المحمدى الشيخ خالد عبد العظيم، بضرورة تغيير السلوك السيئ والمظاهر السلبية بعد الثورة المباركة، والاهتمام بالسلوك الإسلامى. وفى السويس حذر الداعية الدكتور عبد الرحمن يوسف خطيب ساحة الشهداء بالأربعين، من تدفق رؤوس الأموال الأجنبية، سواء الإسلامية أو غيرها، إلى الساحة السياسية المصرية. تطرق خطيب صلاة العيد بأرض الخلاء فى مدينة المحلة الكبرى إلى قيمة التوحد، حيث دعا إلى توحيد صفوف الأمة الواحدة ضد أى عدو خارجى يتربص بها، ولفت إلى دور الجيش فى حماية الثورة المصرية، بعد أن رفض استخدام العنف مع الثوار. جموع المسلمين فى سوهاج، أدوا الصلاة فى الساحات المخصصة للصلاة، وجاءت معظم خطب العيد حول التوحد والتماسك بين كل أطياف المسلمين، ونبذ الفرقة. وتناول إمام مسجد العارف خلال خطبته، ضرورة الحفاظ على تماسك المجتمع المصرى للعبور بمصر من هذا المفترق الخطير. أما إمام وخطيب مسجد الشهيد عبد المنعم رياض، تناول الاستمرار فى روح المحبة والتعاون بين كل المسلمين. لأول مرة منذ أكثر من 15 عاما، تم حشد 10 آلاف شخص من التيارات الإسلامية والدعوة السلفية والجماعة الإسلامية فى حديقة درة النيل فى مدينة أسوان، أمام مبنى ديوان عام المحافظة، الذى شهد تكثيفا أمنيا غير مسبوق منذ ثورة يناير. الدكتور حسين الجرجاوى، عميد كلية الدراسات الإسلامية فى أسوان، ألقى الخطبة، أشاد فيها بالقوات المسلحة المصرية، متهما نظام الأسد العلوى الكافر -على حد وصفه- بإبادة شعبه. ودعا جموع المسلمين إلى الاتحاد فى نصرة الشعب الصومالى، كما دعا شعوبى سوريا واليمن للثأر من حكامهما، وكانت الجماعة الإسلامية بأسوان برئاسة الشيخ خالد إبراهيم أمين عام الجماعة، قد أصدرت بيان أكدت فيه ضرورة التفاف شعب مصر حول الشريعة الإسلامية التى هى أساس الخلاص من الفساد. أما فى أسيوط، فقد أدى الآلاف الصلاة فى 27 ساحة، وقام اللواء سيد البرعى، محافظ أسيوط، يرافقه اللواء محسن الشاذلى، قائد المنطقة الجنوبية، واللواء محمد إبراهيم مدير الأمن، فى غياب رموز وفلول الوطنى المنحل، بأداء صلاة العيد فى مسجد ناصر.. كما قامت الجماعة الإسلامية، فى المدينة بتنظيم صلاة فى استاد الجامعة لأول مرة منذ عام 1981. المستشار ماهر بيبرس محافظ بنى سويف، كان حاضرا أيضا، وحرص على الحضور عدد من المرشحين المحتملين للانتخابات البرلمانية القادمة. وقام التيار السلفى وحزب النور بتنظيم ساحة للصلاة فى شارع عبد السلام عارف.