فى بداية الثورة السورية لجأ الإعلام الرسمى هناك، وكالعادة مثلما حدث فى مصر، إلى استخدام سلاح القوة الناعمة من المثقفين والفنانين والإعلاميين لمبايعة الأسد والهجوم على الثوار.. لم يكتف الإعلام بالسوريين فقط، لكن انضم إليهم، ومع شديد الأسف، أيضا فنانون وإعلاميون من لبنان، وكان جورج قرداحى واحدا من أعلى الأصوات التى انطلقت مؤازرة للأسد، ومحذرة من الأجندات الأجنبية التى تتربص بسوريا باعتبارها ترفع شعار الممانعة والتصدى. رغم أن بشار منذ أن ورث الحكم عن أبيه، والكل يعلم بمن فيهم جورج، أنه لم يطلق رصاصة واحدة ضد العدو الإسرائيلى، فإن جورج كان مثل كثيرين لديهم ثقة مطلقة أن الأسد سوف يستعيد السيطرة بقبضته الحديدية على زمام الأمور، وأن الثورة ستخبو فى غضون ساعات! قبل أيام قليلة قررت قناة «إم بى سى» إيقاف برنامج جورج قرداحى الجديد «أنا أستاهل»، الذى كان مقررا عرضه فى العيد.. أرادت القناة أن تنحاز إلى مشاعر الجماهير العربية التى ترفض أن تشاهد مذيعا يبيع مبادئه، ويبايع الطغاة.. أتصور أن المحطة وجدت فى اسم جورج عامل طرد جماهيرى، فأوقفت برنامجه، إنه حق أدبى وأيضا مادى، من واجب المحطة أن تحترم مشاعر مشاهديها، كما أنك لو حسبتها اقتصاديا سوف تكتشف أن كثافة المشاهدة ستتراجع، وبالتالى المردود الإعلانى سينخفض، والمحطة تتحسب لتلك الخسارة المتوقعة.. لقد حدث بعد الثورة المصرية أن أعاد منتجو الأفلام والمسلسلات والبرامج النظر فى مشروعاتهم التى تعاقدوا عليها مع نجوم القوائم السوداء.. فى الظروف العادية عندما توقف قناة فضائية برنامجا لمذيع بسبب آرائه السياسية، فإن الواجب يقتضى الدفاع عن حق المذيع فى الوجود، وأن لا يضار أحد بسبب رأى مقتنع به، ورغم ذلك فأنا سعدت عندما أوقفت المحطة برنامج «أنا أستاهل»، لأن جورج يستاهل، فهو لم ينطلق فى تأييده لبشار عن قناعة، بل هو مثل أغلب النجوم والإعلاميين العرب فى مصر وتونس، كانوا مع الرئيس عندما كان رئيسا، وصاروا ثوارا عندما انتصرت الثورة.. قرداحى بات مؤخرا يخفف من نبرة تأييده لبشار، بمجرد أن بدأ يلوح فى الأفق تصاعد هدير الثورة، لكن بعد فوات الأوان. جورج وإخوته، ليسوا من أصحاب الرأى، إنهم يراهنون فقط على النظم القائمة، وينتظرون الثمن.. مثلا لو انتصر بشار فإنه من المؤكد سوف ينشئ محطة تحمل اسم المناضل جورج قرداحى.. السلطة فى العالم العربى وسوريا تحديدا، كثيرا ما فعلت ذلك عندما تعثر المنتجون السوريون فى تسويق مسلسلاتهم خليجيا، تدخل الأسد واشترى المسلسلات بضعف الثمن وضمن الولاء.. إنها مقايضة، أنت مع الحاكم تحصل على لبن العصفور، وعندما تؤيده فى موقف مصيرى يمنحك العصفور بشحمه ولحمه ولبنه. جورج قرداحى اختار بشار مثلما اختاره تيم، ودريد، ورغدة، وسلاف، وجومانة، وغيرهم.. إذا كانت تلك هى قناعتهم، فعليهم أن يتحملوا النتائج، وإذا كانوا مجبرين على التأييد فيجب أن يذكروا الآن وليس غدا أن هناك من يهددهم.. أغلب نجومنا يعتقدون أن هؤلاء الفاسدين سيظلون يحكمون إلى الأبد، رغم أن التجربة أثبتت أنه ما دامت الثورة بدأت ونزفت دماء، فلن يخمد الثأر إلا بعد أن يطاح بالطاغية.. من تورط عليه أن يدفع الثمن، أما من يريد أن يقف مع بشار ومع الثوار فى نفس الخندق، فأقول لهم على رأى صالح، المخلوع القادم، اليمنى، «فاتكم القطار.. فاتكم القطار».