لعله أصدق معبر عن الانحطاط الأخلاقى الذى وصل إليه نظام الرئيس السورى بشار الأسد، ضمن محاولاته المستميتة لسحق الثورة، والبقاء فى السلطة. ذلك التعليق الذى كتبه أحد مستخدمى موقع التواصل الاجتماعى تويتر، «سوريا الأسد: رسام بلا إصبع، مغن بلا حنجرة، طفل بلا عضو، مسجد بلا مأذنة.. وبالنهاية رئيس بلا شرف»، تعقيبا على اعتداء مجموعة من شبيحة النظام على رسام الكاريكاتير السورى العالمى على فرزات، فجر أول من أمس. فرزات، وهو فى ستينيات العمر، واحد من أشهر رسامى الكاريكاتير فى العالم العربى، امتلك الشجاعة لتسخير موهبته لخدمة قضية شعبه المطالب بالحرية والعدالة، وكان لريشته وقع ربما يفوق تأثير الحديد والنار، اللذين لا يعرف النظام السورى غيرهما بديلا فى مواجهة الثورة. وصرح فرزات من مستشفى الرازى بدمشق، حيث يخضع للعلاج حاليا، أنه تعرض لعملية اختطاف واعتداء فى ساعة مبكرة من صباح الخميس، وتحدث عن «4 أشخاص ملثمين قاموا بالاعتداء علىّ بالضرب بأيديهم وأرجلهم ووضعونى فى سيارة مظللة الزجاج، كما وضعوا كيسا أسود على رأسى». كان هذا «حتى لا ترسم مرة ثانية على أسيادك، وتتطاول عليهم يا عميل يا منحط»، هكذا خاطبه المعتدون الذين ضربوه بوحشية، وكسروا يده اليسرى، كما ضربوه على رأسه ما أدى إلى إصابته بارتجاج من الدرجة الأولى. الرسالة التى أراد مرتكبو الاعتداء توجيهها كانت واضحة، وهى رسالة إرهاب لكل سورى يفكر فى معارضة النظام، وقال الفنانون التشكيليون السوريون فى بيان إن «المُدمى وإنسانيته المنتهكة هى الصورة (الإرهاب) التى يقترحها النظام السورى لسوريا». اتسمت رسومات الكاريكاتير اليومية التى ينشرها فرزات على موقعه، والتى يتابعها جمهور عريض، بكثير من الجرأة والقوة، وقد تناول فيها شخصية الرئيس بشار الأسد، وهذا ما لم يفعله أى رسام داخل البلاد. وإضافة لهذا، ظهر فرزات فى إحدى القنوات وانتقد بشجاعة تعاطى السلطة مع الاحتجاجات فى سوريا، وقال إن «السوريين لم يعودوا بحاجة لأحد، فهم كسروا حاجز الخوف، ولم يعد أمامهم ما يخشونه، وإن الفرصة أمام النظام ضئيلة للخروج من المأزق». سجل الأسد، الأسود، فى التعامل مع المثقفين والفنانين منذ اندلاع الثورة، يقود اعتقادا قويا لدى نشطاء سوريين بأن الحادث مقصود ومدبر من جانب النظام، ففى السابق ذبح شبيحة موالون للأسد المغنى الشاب إبراهيم القاشوش، الذى ارتبط الثوار بأغنياته التى تدعو الأسد للرحيل، واقتلعوا حنجرته، كما تعرضت مظاهرة للمثقفين فى حى الميدان وسط دمشق الشهر الماضى للاعتداء، وبدلا من معاقبة المهاجمين، حاكمت السلطات المشاركين فى المظاهرة بذريعة «التظاهر دون ترخيص». الاعتداء على فرزات كان بمثابة فضيحة عالمية جديدة لنظام الأسد، الذى يبدو أنه شعر ببعض بالحرج، حيث ذكرت وكالة الأنباء السورية، أن وزارة الداخلية فتحت تحقيقا لمعرفة ملابسات الاعتداء.