نضج الشباب ثلاث سنوات فى قلب الثورة أكسبتهم خبرة عقود طويلة. تعلموا من الخطأ كما تعلموا من الصواب. هذا بعض ما كشفت عنه أحداث الأيام الماضية. فى البداية راهن «الإخوان» على أن يكون يوم الجمعة الماضى يومًا للدم. قالوا مع حلفائهم من جماعات الإرهاب التى تتخفى وراء الإسلام البرىء من جرائمه، إن عهد السلمية قد ولَّى وإنهم قادمون ليفرضوا إرادتهم بالسلاح! حاولوا المستحيل لاستقطاب تأييد قطاعات من شباب الثورة التى تشعر بالإحباط لأسباب عديدة، لكنهم فشلوا. رفض الشباب المؤمن بالثورة أن ينضم إلى من خدعوه قبل ذلك حين كانوا آخر مَن التحق بميادين التحرير فى يناير، وأول من غادرها لتنظيم صفوفه وعقد صفقاته المشبوهة ثم يستولى على السلطة ويبدأ فى البطش برفاق الثورة، ويستبيح الوطن لعصابات الإرهاب المتاجرة بالدين، والمستأجَرة من قوى لا تريد لمصر أن تنهض، بل ترى فى إخضاعها مدخلا للسيطرة على المنطقة بأسرها! فشلت كل محاولات «الإخوان» وكانت النتيجة فضيحتهم المدوية فى جمعة حمل السلاح، حين انكشف أمرهم ولم نجد إلا بعض التجمعات الصغيرة الشاردة التى لا تأمل فى أكثر من لقطة تذيعها قنوات «الجزيرة» قبل الفرار من غضب الشعب!! فى اليوم التالى كان الاختبار الأكبر، مع الأحكام التى صدرت فى قضية مبارك ونجليه ووزير داخليته ومعاونيه. كان الحكم صادمًا لشباب يبحث عن قاتلى الشهداء، ويرى حزب الفساد القديم يطل من جديد عبر أبواق إعلامية ونفوذ مالى، تحاول الإساءة إلى ثورة الشعب فى يناير، وتتصور أنه فى ظل الحرب ضد الإرهاب سوف مصر تتسامح مع فساد كان هو السبب الأول فى نشر هذا الإرهاب، والحليف الأكبر لجماعاته وفى مقدمتها «الإخوان» الذين كانوا شركاء سلطة مع الحزب الوطنى قبل «يناير»، ومسؤولين -بنفس الدرجة- عن كل ما ورثناه من فساد وتخلف جنبًا إلى جنب مع أركان النظام الذى أسقطه الشعب فى يناير العظيم. وكالعادة.. حاول «الإخوان» استغلال الموقف، ولكن رد شباب الثورة عليهم كان حاسما حين رفضوا أى مشاركة لهم فى تحركهم لإعلان الغضب بعد صدور الأحكام. وحين كشفوا الفارق بين شباب يغضب دفاعا عن الثورة، وبين إخوان الإرهاب الذين لم يتورعوا عن خيانة الثورة منذ اليوم الأول، ولم يستهدفوا إلا التمكن من السلطة، ولم يتورعوا عن فتح أبواب مصر أمام عصابات الإرهاب، ولا عن بيع أرضها لمن يمنحهم السلطة، ولا عن معاداة كل قوى التقدم، لأن الهدف كان تحويل مصر إلى «قندهار» جديدة تعيش فى ظلام العصور الوسطى. لم ينسَ شباب الثورة كيف استباح «الإخوان» دماءهم، ووقفوا يعلنون أن شرعية الثورة قد انتهت بسيطرة إرهاب الإخوان على البرلمان والحكم بها، ولم تغب عن الذاكرة أن ما يفعله فلول «الوطنى» ورموز فساده من محاولات لتشويه الثورة، هو تكرار لما فعلته قيادات «الإخوان» قبل ذلك، وأن ما شاهدناه على قنوات الفلول الفاسدة التليفزيونية لا يختلف عما سمعناه قبل ذلك من عصام العريان والبلتاجى وحجازى من اتهامات منحطة لشباب الثورة وشهدائها! نضج جيل الثورة بلا شك، اكتشف أن إخوان الإرهاب وفساد ما قبل «يناير» هما وجهان لعملة واحدة. انحاز الشباب إلى الوطن وإلى الثورة، وانحازت الدولة إلى إرادة الشعب وأعلنت التزامها بالدستور، لكن المعركة ستبقى حتى تتحول أهداف الثورة إلى واقع حقيقى. سيبقى علينا أن نبنى ما تم تخريبه خلال عهود طويلة، وفى نفس الوقت علينا أن نواجه إرهاب الإخوان الذى سيتصاعد عنفه بعد أن سقطت عنه كل الأقنعة، وأن نواجه أيضا حزب الفساد الذى كان يهدد شعب مصر بأكمله قبل يومين ب«الضرب على القفا» إذا لم يعلن التوبة عن «المؤامرة!!» التى وقعت فى يناير، والذى عاد بعد ذلك ليضرب تعظيم سلام لثورة يناير العظيمة! وجهان لعملة واحدة.. الإرهاب والفساد، ومعركة سنربحها بقدر تمسكنا بالثورة، ووحدتنا لتحقيق أهدافها.