خمس فتيات جميلات وخمس سيارات لمسابقات السرعة وعلى أحدث طراز، ورغم ذلك كنا بصدد فيلم يناصر النضال الفلسطينى. قبل نحو 15 عاما شاهدت الفيلم الفلسطينى «زواج رنا» للمخرج هانى أبو أسعد. عرض الفيلم فى أسبوعى المخرجين بمهرجان «كان» وأثار جدلا كبيرا وقتها، فى نفس الوقت الذى أشار فيه بقوة إلى اسم المخرج الذى أصبح فى غضون سنوات قليلة واحدا من أهم المخرجين الفلسطينيين، وهو المخرج العربى الوحيد الذى وصل مرتين إلى القائمة القصيرة «خمسة أفلام» التى ترشح لاقتناص أفضل فيلم أجنبى فى مسابقة الأوسكار. لم ينل الجائزة التى بدأت عام 54 أى مخرج عربى حتى الآن، ولكننا مع «الجنة الآن» ثم «عمر» اقتربنا. دائما أفلام هانى تنحاز إلى النضال الفلسطينى وتقف مؤازرة له لأنه يضع الحياة أيضا فى مقدمة الكادر، نناضل من أجل الحياة وليس طمعا فى الموت. أتصور أن المخرجة أمبر فارس اللبنانية الجذور ترفع نفس السلاح وهو أن تواجه إسرائيل بالتمسك بالحياة، أن تعيش كل تفاصيلها بالكاميرا. تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلى تتعدد أوجه النضال ويبقى نوع من المقاومة بسلاح الحياة، مثلا المطرب الفلسطينى محمد عساف الحاصل فى العام الماضى على جائزة «آراب أيدول» بمجرد أن يتقدم للمشاركة فهو يناضل، ليس مطلوبا منه أن يغنى فقط رائعة عبد الوهاب للشاعر على محمود طه «أخى جاوز الظالمون المدى، فحق الجهاد وحق الفدى»، يكفيه مثلا واحدة من أغنيات الحب لعبد الحليم حافظ لتصل الرسالة، ولا يعنى ذلك أنه منفصل عن الحياة أو يعيش فى برج عاجى أو أنه يبيع القضية. وعندما يشارك فريق كرة القدم يحمل اسم فلسطين فى مسابقة دولية أو تشارك فتيات فى مسابقة الجمال وغيرها من الأنشطة التى تناصر الحياة، لا أحد من حقه أن يضع ذلك تحت طائلة قانون التراجع. وهكذا أرى فيلم الافتتاح «السباقات» فى مهرجان «أجيال» بالدوحة الذى افتتح مساء أمس، أول إخراج لأمبر فارس فى مجال الفيلم التسجيلى الطويل، أكثر من 60 دقيقة، وهو يقدم سباق السيارات برؤية سينمائية تحاول فى كل لحظة أن تمزج بين النضال والمرح، بين الاستهجان والرضا، بين الانتصار والهزيمة، بين الضحكة والدمعة. المهرجان متخصص فى سينما الأطفال، وهذه هى الدورة الثانية، ولكن لا يعنى ذلك أن الفيلم فقط للأطفال، إلا أن أغلب الأفلام المشاركة تراعى أنها أيضا أنها صالحة للجميع. نحن أمام فتيات حسناوات فى مجتمع يرى قطاع وافر منه أن الجمال بداية الغواية. والسؤال الأجدر بالإجابة لديهم: كم آية قرآنية تحفظها؟ بدلا من: كم مرة شاركت أو فازت فى سباق السيارات؟ وكأن هناك تعارضا بين حفظ القرآن والأنشطة الاجتماعية، مع الأخذ فى الاعتبار ما تشير إليه كلمة «سيارة» و«سباق»، وهى تعنى أن هناك بالتأكيد طبقة ثرية لا تعيش معاناة الحياة، ولكنهم يضيعون أوقاتهم فى ما لا طائل من ورائه. الحياة الاجتماعية للشخصيات الخمس تتوازى فى السرد السينمائى مع الاستعداد للتسابق، فضح قسوة المحتل فى التعامل مع المواطنين الفلسطينيين المسالمين، السور الذى أقامته إسرائيل ليحيط دولة فلسطين ليصبح كل من يعبر السور إرهابيا فى عرف المحتل. يطل عليك دائما هذا السور الذى أصبح يحمل إدانة لإسرائيل، كما أن كلمات النضال التى امتلأ بها الجدار تشكل أبعادها الاجتماعية والسياسية والنفسية. تعمقت المخرجة فى حياة أبطالها الخمسة، لتظل الرؤية الاجتماعية مسيطرة على المشهد، من تزوجت من حبيبها ومن تنتظر فارس الأحلام، ولا يخلو الأمر من تطلع إلى حياة أفضل ورؤية تتجاوز حدود السباق إلى حدود الوطن. كثيرا ما نستشعر تلك الأفلام التى تقع تحت طائلة الفيلم التسجيلى وهى تنحرف لملامح الريبورتاج وتنسى أنها سينما أولا وسينما أيضا أخيرا، وكانت المخرجة حريصة تماما على ألا تغادر شاطئ الفيلم التسجيلى. ضجيج السيارات وتلك الحركة الزجزاجية التى يعتمد عليها السباق مع قدرة من المخرجة التى شاركت أيضا فى تصوير الفيلم على أن تنقل لنا الإحساس، كلها لعبت دورا لكى ننتقل من مقعد المتفرجين إلى الشاشة. يرصد الفيلم أيضا كيف تعاملت الميديا مع مشاركة الفتيات فى التسابق سواء فى الفضائيات أو الصحافة، وتتسع الدائرة لتصل إلى المجتمع ويبقى مصير البطلات فى النهاية ماثلا أمامنا ما بين انتصار أو هزيمة. إنها رحلة نضال لو أردنا أن يصبح سلاح المقاومة هو أن نعيش الحياة.