الحصول على جائزة نوبل هو شرف لا يضاهيه أى شرف، حيث تعتبر تلك الجائزة المرموقة التى تمنح فى العديد من المجالات المختلفة فى الآداب، والفيزياء، والكيمياء والطب، علاوة على السلام والاقتصاد، تكريمًا واضحًا لأى عالم يتمكن من الوصول إلى اكتشاف جديد يساهم فى تقدم البشرية ورفعة شأنها. ولا يختلف اثنين على أحقية عالم الكيمياء الأمريكى ستانلى كوهين وشريكته الإيطالية ريتا ليفى مونتالشينى فى الحصول على تلك الجائزة المرموقة بالمناصفة عام 1986، بعد اكتشافهم عوامل نمو الأعصاب وعوامل نمو البشرة على التوالى. وبالرغم من معرفة العلماء لنمط النمو الخلوى منذ زمن طويل، إلا أن اكتشاف كوهين ومونتالشينى ساهم فى زيادة معرفة كيفية تنظيم النمو والاختلاف داخل الخلايا. وفتح هذا الاكتشاف العديد من الأفاق والمجالات أمام العلماء، حيث زاد من فهمهم للعديد من الحالات المرضية مثل التشوهات التى تصاحب النمو، والتغيرات التنكسية فى خرف الشيخوخة، وتأخر التئام الجروح والأمراض السرطانية، لذا من المتوقع أن يساهم ذلك الاكتشاف فى تطوير عوامل علاجية جديدة وتحسين العلاج فى مختلف الأمراض الاكلينيكية.
ستانلى كوهين المولود فى مثل هذا اليوم من عام 1922، حصل على درجة البكالوريوس سنة 1943 من كلية بروكلين، حيث تخصص فى مجالى الكيمياء والبيولوجيا، ثم عمل فى مجال علم الأحياء الدقيقة فى أحد مصانع الألبان، قبل أن يحصل عام 1945 على ماجستير فى علم الحيوان من كلية أوبرلين، ثم درجة الدكتوراه من قسم الكيمياء الحيوية بجامعة ميتشيجان عام 1948. وفى الخمسينيات، عمل كوهين مع ريتا ليفى مونتالشينى فى جامعة واشنطن فى سانت لويس، وتمكنا من عزل عامل نمو الأعصاب، فمن المعروف أن الرجل البالغ يحتوى جسده على مليارات الخلايا، التى بدأت من خلية واحدة تحتوى على رموز المواد الوراثية لفرد بالكامل، ومن ثم تنقسم الخلية الأولى فى البداية إلى خلايا ابنة متطابقة، ولكن سرعان ما تبدأ الخلايا فى عرض خصائص مختلفة قليلا تُعرف باسم الاختلاف داخل الخلايا. وعرف العلماء منذ فترة طويلة نمط النمو الخلوى والاختلاف بداخله، ولكن ظل تنظيم هذا التطور أمرا مجهولا أمام العلماء، حتى تمكن ستانلى كوهين وريتا ليفى مونتالشينى من اكتشاف عوامل النمو وفهم تنظيم نموها واختلافها. ويعلم العلماء اليوم كيفية تواصل الخلايا مع بعضها البعض عبر الهرمونات، وكان يعتقد فى السابق أن الهرمونات لا تنتج سوى من الغدد المتخصصة مثل الغدة النخامية، حيث يصدر من تلك الغدد هرمونات مثل هرمون النمو والذى يفرز فى الدم، ولكن اتضح الآن أمام العلماء أن هناك أنواع من الخلايا تفرز هرمونات لها تأثير على كل من الخلية الأصلية والخلايا المجاورة لها، ومن خلال تلك الآلية يمكن أن تؤثر الخلايا على تطوير الخلايا المجاورة لها. وبالرغم من معرفة العلماء فى فترة الأربعينيات والخمسينيات، أن إضافة مكونات مستخرجة من الدم والأعضاء إلى الخلايا سينتج عنه نموها بنجاح، إلا أنهم لم يعرفوا هوية المواد الفعالة، مثل المعرفة القليلة التى يحظى بها الباحثون فى مجال السرطان عن النمو غير المنظم للخلايا السرطانية. والتحق ستانلى كوهين برفقة ليفى مونتالشينى بجامعة واشنطن فى سانت لويس فى ميزورى كباحث عام 1952، وساعدته خبرته التى حصل عليها بعد التدريب فى الكيمياء الحيوية فى عزل عامل نمو الأعصاب، وهى المادة التى وجدت ليفى مونتالشينى أنها تحفز نمو الخلايا العصبية والألياف، ووجد كوهين عامل نمو لخلية أخرى فى المستخلصات الكيميائية تحتوى على عامل نمو الأعصاب، واكتشف أن هذه المادة تسببت فى فتح أعين الفئران حديثى الولادة ونمو أسنانهم فى وقت مبكر قبل الوقت الطبيعى. وأطلق كوهين على تلك المادة عامل نمو البشرة، وقام بتنقيتها وتحليلها كيميائيا، ووجد برفقة زملائه فى البحث أن تلك المادة تؤثر على مجموعة كبيرة من الفعاليات التنموية فى الجسم، واكتشف أيضا الأليات التى يمكن استخراجها بها وزرعها فى خلايا فردية لتحسين وظائف تلك الخلايا. وأجرى ستانلى كوهين، أبحاثه فى جامعة واشنطن حتى عام 1959، ومن ثم انتقل إلى جامعة فاندربيلت فى ناشفيل بولاية تنيسى، وأصبح أستاذا للكيمياء الحيوية هناك فى عام 1967، وبفضل إسهامته العلمية الجليلة، حصل كوهين على العديد من الجوائز مثل جائزة ألبرت لاسكر للأبحاث الطبية الأساسية عام 1986، وأدخلت أبحاثه فى القاعة الفخرية للمعهد الوطنى لصحة الطفل والتنمية البشرية عام 2007. وحصل "ستانلي" كذلك على جائزة لويزا جروس هورويتز عام 1983 وهى الجائزة السنوية التى تمنحها جامعة كولومبياالأمريكية للباحث أو مجموعة من الباحثين حققوا انجازات بارزة فى الأبحاث الأساسية فى مجالى علم الأحياء أو الكيمياء الحيوية، كما حصل على قلادة العلوم الوطنية الأمريكية عام 1986 وهى القلادة التى يمنحها رئيس الولاياتالمتحدة لمن أسهموا فى تطور المعرفة فى مجالات العلوم.