أول ما تثيره تصريحات المستشار أحمد على عبد الرحمن، النائب الأول لرئيس محكمة النقض، وعضو مجلس القضاء الأعلى السابق، هو الدهشة، إذ صرح سيادة المستشار ضمن حوار مُطوَّل مع صحيفة «الوطن» بأنه رغم عدم استبعاد أولاد عمال النظافة رسميا وإمكانية التجاوز عن خلفية متقدمٍ ما بناءً على الكفاءة، فإن المتقدم من هذه الخلفية يعلم أنه سيُستبعد حتى إذا كان مؤهله وتقديره «كويس»، وشخصيته سوية. وأوضح لاحقا أنه ليس ضد أولاد عمال النظافة، وإنما لهم مهن أخرى غير النيابة، لأن هناك شروطا كثيرة، منها أن الشخص المعيَّن «لازم يكون مرتاح مع نفسه». ممكن فهم الخلفية الواقعية لهذا التصريح، يمكن يقصد المستشار أن ابن عامل النظافة لن يكون مرتاحا وقد ينكسر، لكن المستشار -القائم على تطبيق مفهوم العدالة بين المواطنين- يضرب من حيث لا يدرى مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص فى مقتل. هناك ثلاث مشكلات لهذه التصريحات، فهى أولا تُقَرِّر ظلمًا يلقى قبولا مجتمعيا للأسف. كل ما فعله المستشار أنه عبَّر علانية عن قبوله معايير لا يختارها الإنسان لنفسه، ثم قارن بين خريج الحقوق ذى الخلفية رقيقة الحال، والخريج ممن له أو لأقاربه سوابق! وتكرس التصريحات القبول المجتمعى بالظلم، نتيجة الخوف من التغيير، لأن تغيير الأوضاع يهدد منظومة مصالح ومكاسب مستقرة، بما يجعل القبول بالوضع الراهن أسهل، حتى وإن لم تتحقق العدالة للجميع. المشكلة الثانية فى تصريحاته أنها تجمِّد المجتمع، فى حين أن إتاحة التعليم وتولى الوظائف والمناصب مصدر الحراك الاجتماعى للمصريين على مدى القرن الماضى، وإنْ تتبعْنا بدء احتكاك عائلة ما بمنظومة التعليم، سنجد أنه سبب رئيسى فى تحسن أوضاع الأجيال التالية، ولا يبدأ التغيير الاجتماعى إلا برواد تغيير «pioneers»، فلنتخيل إن أحجمت النساء منذ مئة عام عن الانخراط فى التعليم والعمل بحكم أن المجال العام للرجال، أو أن «الشغل بهدلة وعيب»! إن قَبِل الجميع بهذا، ولم تتحدَّ أى امرأة التمييز والرأى العام حينها لما وجدنا اليوم نساء فى مهنٍ متطورةٍ. مثال آخر من تاريخ أمريكا انخراط المواطنين السود فى التعليم والمناصب. المشكلة الأخيرة فى فكرة «النقاء أو أفضلية أصحاب وظيفة»، أنه وفقا للمستشار فإن «القضاء ليس وظيفة، وإنما رسالة مهمة لمصلحة المواطن»، والرد المنطقى أن جميع المهن كذلك، ثم ما قائمة المهن المسموح بها لأولاد عمال النظافة؟ هل كُتِب عليهم أن يصبحوا وأولادهم عمال نظافة إلى الأبد؟ طبيعى أن تتميز مهنةٌ بخصوصية مادية واجتماعية، نتيجة طول الدراسة أو حساسية أحكامها، وليس لمهنة الوالد دخل بذلك، ويترتب على «خطاب النقاء الوظيفى» أن كل مجموعة مهنية ترى نفسها أكثر أهمية، ومثلما يؤدى القاضى مهمة جليلة للمجتمع، يؤدى عامل النظافة كذلك مهمة جليلة للمجتمع، نلمس غيابها فورا من تراكم أكوام الزبالة.