دبلوماسية روسية: أمريكا أكبر مدين للأمم المتحدة بأكثر من 3 مليارات دولار    مفتي الجمهورية يهنئ رئيس الوزراء وشيخ الأزهر بحلول عيد الأضحى المبارك    التأمين الصحى بالقليوبية: رفع درجة الاستعداد القصوى بمستشفيات استعدادًا لعيد الأضحى    انطلاق أولى رحلات «سمارت وينجز» السلوفاكية إلى العاصمة الإدارية الجديدة    بداية جديدة للتموين.. المنوفي يشيد بتحويل البقال التمويني إلى سوبر ماركت    للدفع بالكوادر الشابة.. رشا شعبان رئيسا لوحدة السكان بالأقصر    مندوبة الولايات المتحدة لدى مجلس الأمن: إسرائيل مهددة وحماس هي التي بدأت النزاع    قلق ينتاب المستثمرين الكنديين من زيادة الضرائب على أرباحهم في الولايات المتحدة    تشيلسي يضم رسميا ليام ديلاب من إيبسويتش تاون حتى 2031    انتخاب سفير المملكة نائبًا لرئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها ال 80    متحدث الزمالك: كأس عاصمة مصر جزء لا يتجزأ من الموسم    نادر السيد: أتمنى أن يدرك لاعبو الزمالك قيمة التتويج بكأس مصر    رونالدو يرد على العرض البرازيلي للمشاركة في مونديال الأندية    الشرق الأوسط: على رأسهم ديانج.. الخلود يسعى لاستمرار الثلاثي الأجنبي    تجارة الحشيش تقود مقاول للسجن المشدد 18 عاما بالوراق    مينا مسعود يروج ل «في عز الضهر»    حكم صيام يوم عرفة لمن لم يصم الثمانية أيام قبله| فيديو    حكمته وتوقيته.. كل ما تريد معرفته عن تكبير عيد الأضحي    قبل يوم عرفة.. طبيب قلب شهير يوجه نصائح للحجاج    «جهار» تعلن نجاح 17 منشأة صحية في الحصول على الاعتماد    محافظ المنيا: جادون في استرداد الأراضي وتطبيق القانون بكل حسم لتحقيق التنمية    ورش للأطفال وعروض فنية مبهجة في ختام معرض «الليلة الكبيرة» بقصر ثقافة بورسعيد    وزير التعليم العالي: نتوقع ارتفاع أعداد طلاب الجامعات ل5.5 مليون بحلول عام 2032    وفد الأقباط الإنجيليين يقدم التهنئة لمحافظ أسوان بمناسبة عيد الأضحى    الإفتاء: صلاة الجمعة يوم العيد الأكمل ويجوز أداؤها ظهراً في هذه الحالة    طرح البوستر الدعائي ل فيلم "آخر رجل في العالم".. صورة    أمريكا أبلغت إسرائيل أنها ستستخدم الفيتو ضد مشروع قرار يدعو لوقف إطلاق النار بغزة    «شوفوا وأمِّنوا».. صلاح عبدالله يوجه رسالة لجمهوره بمشهد من مسلسل «حرب الجبالي»    أمريكا تبلغ إسرائيل باستخدام حق الفيتو ضد مشروع قرار بوقف إطلاق النار فى غزة    منتخب شباب اليد يتوجه إلي بولندا فجر 17 يونيو لخوض بطولة العالم    الرقابة المالية تتقدم بمقترحات بشأن المعاملات الضريبية على الأنواع المختلفة لصناديق الاستثمار    مصرع طالب جامعي بطلق ناري في مشاجرة بين عائلتين بقنا    كريم محمود عبد العزيز يحيي ذكرى ميلاد والده برسالة مؤثرة    أهم أخبار الكويت اليوم الأربعاء.. الأمير يهنئ المواطنين والمقيمين بعيد الأضحى    أهم أخبار السعودية اليوم الأربعاء.. حجاج بيت الله الحرام يتوافدون إلى مشعر منى لقضاء يوم التروية    حريات الصحفيين تطالب بالإفراج عن 22 صحفيا معتقلا بمناسبة عيد الأضحى    الوداد المغربى يستعجل رد الزمالك على عرض صلاح مصدق    محمد بن رمضان يعيد أمجاد هانيبال مع الأهلي.. من هو وما قصته؟    محمد رمضان يقترب من الانتهاء من تصوير «أسد»    قرار عاجل من الزمالك بفسخ عقده لاعبه مقابل 20 ألف دولار    المفوضية الأوروبية تعطي بلغاريا الضوء الأخضر لاستخدام اليورو    بعد نشرأخبار كاذبة.. مها الصغير تتقدم ببلاغ رسمي ل«الأعلى للإعلام »    برسالة باكية.. الشيخ يسري عزام يودع جامع عمرو بن العاص بعد قرار الأوقاف بنقله    خُطْبَةُ عِيدِ الأَضْحَى المُبَارَكِ 1446ه    القاهرة تستضيف النسخة الرابعة من المؤتمر والمعرض الطبي الإفريقي «صحة إفريقياAfrica Health ExCon»    صعب عليهم نسيان الماضي.. 5 أبراج لا يمكنها «تموڤ أون» بسهولة    جامعة القاهرة ترفع درجة الاستعداد القصوى والطوارئ بجميع مستشفياتها    الصحة: 58 مركزًا لإجراء فحوصات المقبلين على الزواج خلال فترة إجازة عيد الأضحى المبارك    رئيس الوزراء: إزالة تداعيات ما حدث بالإسكندرية تمت فى أقل وقت ممكن    الجيش الروسي يسيطر على بلدتي كوندراتوفكا وريدكودوب في سومي ودونيتسك    مجلس الوزراء يوافق على اتفاقية مع الاتحاد الدولي للاتصالات لتحقيق التنمية الرقمية    صلاح عبدالله يستعيد ذكرياته مع سميحة أيوب في مسرحية رابعة العدوية    الإسكندرية ترفع حالة الطوارئ بشبكات الصرف الصحي استعدادًا لصلاة عيد الأضحى    مد فترة التشطيبات.. مستند جديد يفجر مفاجأة في واقعة قصر ثقافة الطفل بالأقصر    أول تحرك من «الطفولة والأمومة» بعد تداول فيديو لخطبة طفلين على «السوشيال»    البابا تواضروس الثاني يهنئ فضيلة الإمام الأكبر بعيد الأضحى المبارك    مسابقة لتعيين 9354 معلم مساعد لغة إنجليزية من «العاملين بالحصة» (تفاصيل)    رابط نتيجة الشهادة الإعدادية الأزهرية 2025.. الاستعلام برقم الجلوس عبر بوابة الأزهر فور اعتمادها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخرافة والنكتة لا تردَّان المظالم
نشر في التحرير يوم 14 - 11 - 2014

عاش المصرى القديم وحتى وقتٍ قريب أسير فكرة الشكوى من الظلم، من دون أن يبادر فى معظم الأحوال إلى رفع ذلك الظلم عن نفسه وبنى وطنه. ومن يستقرئ الرسائل إلى ضريح الإمام الشافعى التى جمعها د.سيد عويس فى كتاب عام 1965، أو الرسائل المرسلة إلى السيدة نفيسة عام 2008 التى جمعتها ضحى عاصى فى كتاب آخر، سيتضح له أن الشكوى المصرية من الظلم السياسى والاجتماعى متأصلة فى نفوس كثيرين.
ولطالما عبَّر المصرى عن ذلك التوجه فى أمثاله الشعبية وأشعاره العامية (أزجاله) ومواويله وسيره وملاحمه الشعبية التى يتبدى فيها الشعور بافتقاد العدالة فى مراثى أدهم الشرقاوى، وياسين وبهية، وحسن ونعيمة، ومن قبلهم أيوب وناعسة، «وبالطبع يلجأ المصرى كعادته إلى الخرافة فى تخليص حقه من ظالمه، وإلى الشكوى لأولياء الله، والإيمان المطلق واليقينى بأن الله لا بدَّ مُخلصه من ظالمه، ومستخلصًا له حقه من بين أيديهم».
ينهج المصرى فى ذلك نهج ما يراه جيمس سكوت من سلوك بعض الجماعات الضعيفة أو المستضعفة أو المهمشة والتى تعجز عن مواجهة السلطة أو الآخرين، فتلجأ إلى أساليب مقاومة تتسم بالحيلة والتحايل مثل: النفاق، والتمويه، والتلاعب، وتتبع ونشر الفضائح، والكذب، واختلاق القصص والشائعات المغرضة، وترديد النكات الساخرة من الحاكم، وانتظار القصاص الإلهى، وغيرها من الطرق.
يقول إبراهيم عبد القادر المازنى إن «المصرى عاش فى ظل حكم استبدادى غاشم آلافًا من السنين، والعسف يورث النفوس مرارة، ولا يبيت الناس منه إلا على حذر وتقية، وإذا كان المصريون لم يستطيعوا فى هذه الأدهار الطويلة أن يغيِّروا الحال تغيُّرًا يمحو ما استقر فى أعماق نفوسهم، فقد كان ملجؤهم التحرز وإضمار سوء الظن وإطلاق اللسان، وألفوا أن يدعوا حكامهم وولاة أمورهم يفعلون ما يشاؤون، على أن يقولوا هم فيهم ما يشاؤون، ولست أعرف أمة أخرى -وقد أكون مخطئًا- تبسط ألسنتها فى رجالها ورؤسائها وحكامها كما يبسطها المصريون».
ومع تقديرنا الكامل للوازع الدينى والطابع الساخر، وأهميتهما ضمن أبرز مكونات الشخصية المصرية، فإن هناك شبهة سلبية نجدها فى هذا السلوك الذى هو أقرب إلى التواكل منه إلى التوكل مع الأخذ بالأسباب.
وليس معقولًا ولا مقبولًا أن يكون السكون والاستسلام واليأس والتخاذل، واللجوء إلى الهزل على سبيل التحايل الهروبى من الواقع الأليم، سمة عامة فى مجتمع هو أحوج ما يكون إلى الجد والعمل والتفكير والتخطيط والوعى.
لقد تطرق المؤرخ تقى الدين المقريزى إلى أخلاق المصريين، فقال إن «أبدانهم سخيفة سريعة التغير، قليلة الصبر والجلد. وكذلك أخلاقهم يغلب عليها الاستمالة والتنقل من شىء إلى شىء. والدَّعة والجبن والقنوط والشح وقلة الصبر، والرغبة عن العلم وسرعة الخوف والحسد والنميمة والكذب والسعى إلى السلطان وذم الناس. وليست هذه الشرور عامة فيهم، فمنهم من خصه الله بالفضل وحسن الخلق وبرّأه من الشرور».
نشير هنا إلى أن رؤية المقريزى تشكلت فى ظل العصر المملوكى (القرن الخامس عشر)، وهو العصر الذى سادت فيه المظالم الاجتماعية وحل فيه البطش بالناس. كانت الأخلاق السائدة التى رصدها المقريزى من وسائل المجتمع لاتقاء شرور الحكام والأقوياء وكسب العيش والبقاء.
فكرة تأثر الأخلاق بالاستبداد لها حضورها القوى فى ما كتبه عبد الرحمن الكواكبى عن «طبائع الاستبداد»، وذكر أنه «يُرغم الأخيار على ألفة الرياء والنفاق»، كما أنه يدفع الناس إلى «التسفل»، بمعنى التخلق بأخلاق السفلة.
إن مِن الناسِ مَن يَتَعَرَّض إلى وحشية السلطة فيختار الطريق الأسلم والأكثر أمنًا وإثابة، ومنهم مَن يصيبه يأسٌ وإحباطٌ يدفعانه إلى سلوك نقيض. هناك أيضًا مَن يعيد تشكيل مواقفه تبعًا لمعطيات تَستجِدُّ على الساحة فيصوغ مبادئه وأفكاره بما يتماشى مع السائد، وبما لا يستعدى المجتمع عليه.
يعرف علماء النفس الظاهرة الأخيرة جيدًا، ويفسرونها بما للمجتمع من تأثير مرعب وعميق على الأفراد، وتوضح دراسات كثيرة كيف يقهر المجتمعُ الفردَ، بحيث يصبح كما العجين، لينًا طيِّعًا، وقابلاً للفرد والمد والتكوير، وكيف يتم تعديله بحيث يغدو نموذجًا مثاليا لا يخرج أبدًا عن الإطار المرسوم للمجموع.
أشار بعض الباحثين إلى محاولتهم نفى هذا الوصف المخيف: «قطعان الأغنام» عن البشر، لكنهم أكدوا فى ما بعد أنهم فشلوا فى تحقيق الهدف، فقد ثبت أن عملية «التطويع الذاتى» التى يقوم بها الأشخاص تحت ضغوط المجتمع هائلة الحجم والأثر.
قد يؤدى هذا التطويع الذاتى إلى التماهى مع السائد والمألوف، والخضوع للشكل العام، كأننا بصدد زى موحد أو قالب محدد للفرد فى المجتمع الذى يحكمه طاغية. يستغل الطغاة والمستبدون هذه الرغبة فى التماثل، فى أن أكون مشابهًا للآخرين فى الرأى أو السلوك أو حتى الزى الموحد خوفًا من العزلة.. وتكون النتيجة أن نسير جميعًا مع التيار مهما كان الاتجاه، أو أن أدخل دائرة الصمت اللولبية.. وهى تلك الدائرة التى وصفتها عالمة الاجتماع الألمانية إليزابيث نويل نيومان فى سبعينيات القرن العشرين من خلال نظرية «دوامة الصمت» الخاصة بدور الإعلام فى تكوين الرأى العام والاتجاه السائد داخل مجتمع بعينه.
تقوم هذه النظرية على فكرة أن الأفراد العاديين يلوذون بالصمت ويكتمون آراءهم عندما لا تأتى فى اتجاه الأغلبية، فهم حريصون على كسب قبول المحيط أو المجموعة التى ينتمون إليها ولا يودون أن يصيروا على الهامش.
هذه حقيقة، تتجلى فى مصر بلا مواربة. هناك من يصمت لأنه يخشى الخروج عن التيار السائد.
غير أن الصمت له ثمنه الباهظ فى نهاية المطاف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.