أطلقت الشرطة اليونانية أمس الأحد، الغاز المسيل للدموع على محتجين يلقون الحجارة والقنابل الحارقة خارج البرلمان في العاصمة أثينا. وتجمع عشرات الآلاف من المتظاهرين بالقرب من البرلمان الذي يعقد جلسة خاصة، حيث كان يستعد أعضاؤه للتصويت على إقرار سلسلة إجراءات تقشفية، مقابل الحصول على المساعدات الدولية لاخراج اليونان من أزمتها الاقتصادية، الامر الذى جاءت نتيجته بموافقة البرلمان صباح اليوم الاثنين، على مشروع قانون تقشف لا يحظى بشعبية على نحو كبير من أجل ضمان الحصول على برنامج انقاذ ثان من الاتحاد الاوروبي وصندوق النقد الدولي وتفادي حدوث افلاس عام، في الوقت الذي اشتعلت فيه النار في مباني في شتى أنحاء وسط اثينا وامتدت أعمال العنف الى مناطق مختلفة في البلاد. وكانت اليونان تحتاج إلى خفض ميزانيتها إن أرادت تأمين حصولها على خطة إنقاذ من مليارات الدولارات الإضافية من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي. وكان اقتراح فرض الاجراءات التقشفية التي يشترطها الاتحاد الاوروبي وصندوق النقد الدولي لحزمة إنقاذ اقتصاد اليونان تسبب في موجة غضب جماهيري عارم، فضلا عن انقسامات في بين السياسيين أنفسهم وداخل الحكومة الائتلافية بشأنها. حيث أنه كان من المفترض إذا صوت البرلمان بالموافقة سيحصل رئيس الوزراء اليوناني لوكاس باباديموس على تفويض بفرض هذه الاجراءات التقشفية المشددة التي ستضمن لليونان قرضا بقيمة 130 مليار يورو لانقاذ اقتصادها من الافلاس. كما أنه كان على النواب إقرار خطوات تشمل إعادة رسملة البنوك اليونانية التي قد تتضمن درجة من التأميمات المحدودة لبعضها اذا لم تتمكن من توفير الأموال اللازمة لها من القطاع الخاص. وجري التصويت أيضا على برنامج لتبادل السندات بنحو 100 مليار يورو من إجمالي الدين اليوناني البالغ 350 مليار يورو، الأمر الذي سيقلل من عبء دين البلاد الضخم. وكان باباديموس حث البرلمان أول من أمس السبت على اقرار حزمة الاجراءات التقشفية القاسية، محذرا من أن بلاده تواجه «فوضى اقتصادية خارجة عن السيطرة» اذا لم توافق على خفض الانفاق وتخلفت عن سداد ديونها. وقال أن الوزراء الذين لا يوافقون على إجراءات التقشف لا يمكنهم الاستمرار في الحكومة الائتلافية، وذلك بعد ساعات من استقالة أربعة وزراء بسبب تلك الاجراءات. وعلى الرغم من موافقة الحزبين الرئيسين في الحكومة الائتلافية «الاشتراكي والمحافظ» على مبدأ الاجراءات التقشفية الشديدة الا أنها واجهت معارضة شعبية كبيرة قادتها النقابات العمالية وكانت شوارع اثينا قد شهدت قبل يومين خروج الآلاف من المحتجين ضد تشديد الاجراءات التقشفية، كما بدأ العاملون اضرابا عن العمل لمدة يومين ووقعت مصادمات بين المتظاهرين والشرطة الجمعة. ورأت النقابات في هذه الاجراءات نوعا من «الابتزاز» من الجهات المانحة للأموال للبلاد التي تواجه خطر الافلاس. وتضع الاجراءات التقشفية المطلوبة من الاتحاد الاوروبي وصندوق النقد المزيد من الاعباء على كاهل المواطن اليوناني العادي الذي يعاني في الاساس من آثار الأزمة الاقتصادية الخانقة، إذ تشمل تخفيضات في الأجور الدنيا بنسبة 22% وتصل النسبة إلى 32% بالنسبة إلى الاشخاص دون سن ال 25 ، فضلا عن اصلاحات في قطاع الضرائب والتقاعد أثارت معارضة الشارع اليوناني بشكل كبير. وكان باباديموس قد قال انه سيفعل «اي شئ» للحصول على موافقة البرلمان على الصفقة، مشددا في خطابه أمام مجلس الوزراء على القول «لا يمكن أن نسمح لليونان بان تفلس» وشدد على أن «الكلفة الاجتماعية لهذا البرنامج محدودة بالمقارنة مع الكارثة الاقتصادية والاجتماعية التي ستنجم اذا لم نقره» وكان قد أطلق تحذيرا أن الحكومة لن تكون قادرة على دفع رواتب الموظفين والرواتب التقاعدية أو حتى إدامة الخدمات الأساسية مثل المستشفيات والمدراس. واضاف: «ان افلاسا غير منضبط سيدخل البلاد في مغامرة كارثية، وسيخلق حالة من الفوضى الاقتصادية الخارجة عن السيطرة والانفجار الاجتماعي». وكان ثلاثة من حزب لاوس اليميني، وهو الشريك الاصغر في الائتلاف الحكومي المكون من ثلاثة احزاب، استقالوا من مناصبهم كوكلاء وزارة. وقال رئيس الحزب أن اليونانيين يتعرضون للاذلال على يد المانيا واعلن ان نواب حزبه ال15 لن يصوتوا لصالح اجراءات التقشف. واستقالت نائبة وزير الخارجية مساء الجمعة، بعدما استقال زميلها في حزب البازوك من وزارة العمل الخميس. إلا ان المحللين يقولون ان التخفيضات ربما تحظى بما يكفي من الاصوات لتمريرها في البرلمان لأن حزب البازوك، أكبر شريك في الائتلاف الحكومي، والشريك الاخر حزب الديمقراطية الجديدة لديهما 230 نائبا من نواب البرلمان ال300. كما شهدت العاصمة أثينا اضرام النار في دور سينما ومقاهي ومتاجر وبنوك في وسط اثينا واشتبك محتجون يرتدون أقنعة سوداء مع شرطة مكافحة الشغب أمام البرلمان قبل أن يوافق النواب على مشروع القانون الذي يطالب بتخفيضات كبيرة في الرواتب والمعاشات والوظائف كثمن لبرنامج انقاذ حجمه 130 مليار يورو «172 مليار دولار» مطلوب للحيلولة دون افلاس اليونان. وذكر التلفزيون الحكومي ان اعمال العنف امتدت إلى جزيرتي كورفور وكريت السياحيتين ولمدينة سالانيك في شمال البلاد وبلدات في وسط اليونان. وقالت الشرطة ان 150 متجرا نهبت في العاصمة واشعلت النار في 34 مبنى. وأيد 199 عضوا من أعضاء البرلمان البالغ عددهم 300 مشروع القانون ولكن 43 نائبا من الحزبين المشكلين لحكومة رئيس الوزراء لوكاس باباديموس تمردوا بالتصويت ضد مشروع القانون . وقام الحزبان بطردهم على الفور. وفر اليونانون والسائحون الذين تملكهم الرعب من الشوارع التي تناثرت فيها الحجارة ومن سحب الغازات اللاذعة وتكدسوا في ابهية الفنادق طلبا للحماية في الوقت الذين ناضلت فيه شرطة مكافحة الشغب لاحتواء الفوضى. وقالت محطة «ان.ئي.تي.» التلفزيونية الحكومية ان اضطرابات اندلعت ايضا في هيراكليون عاصمة كريت بالاضافة الى بلدتي فولوس واجرينيو في وسط اليونان. وأضرمت النار في مصالح تجارية كثيرة في شوارع اليونان، من بينها المقر الكلاسيكي الجديد لسينما اتيكون التي تعود لعام 1870 ومبنى يضم دار سينما استي الواقعة تحت الارض والتي كانت الشرطة السرية النازية «الجستابو» تستخدمها كمكان للتعذيب خلال الحرب العالمية الثانية ووردت أنباء عما أسفرت عنه احتجاجات اليونان بالأرقام والتى تمثلت فى احتراق 42 مبنى في العاصمة أثينا، احتراق 3 فروع بنوك «يوروبنك، ألفا بنك، أتيكا بنك»، احتراق المكتبة الوطنية اليونانية، احتراق مبنى اداري يضم عدة مكاتب لأعضاء فى البرلمان، اقتحام مبنى التليفزيون المحلي لمدينة كريتي، وارتفعت عدد الاصابات حتى الان –وفقا للأنباء- إلى 57 اصابة من المتظاهرين، 52 شرطي، فيما لم تسفر الاحداث عن قتلى حتى الآن.