كان محمد فوزى فى قمة عطائه الفنى عند بداية الستينيات، أفلام ناجحة وألحان متميزة عصية على التقليد، قاده صدقه الفنى إلى الجزائر ليلحن نشيدها الوطنى، وقادته روحه المرحة إلى تلحين النشيد الوطنى لكل أطفال العرب حتى اليوم «ماما زمانها جاية». فى الفترة نفسها أسس شركة إنتاج فنى اسمها «شركة مصر للأسطوانات» قدم من خلالها أعمالا كثيرة له ولغيره من المطربين، وكان اسم شركته عنوانًا للجودة الفنية، ونجح لحن أغنية «يا مصطفى» الذى قدمه لمطرب جديد اسمه بوب عزام نجاحًا باهرًا، وطاف بها أوروبا وحقق بها مكاسب مادية ضخمة قدرت بمليون جنيه عن حق الطبع الميكانيكى، واستطاع أخيرًا أن يقنع أم كلثوم أن تغنى من ألحانه بعد أن اختار قصيدة فصحى للشاعر عبد الفتاح مصطفى، ولحّنها وعرضها على الست التى أعجبت بها وأعلنت أنها ستكون أغنيتها القادمة بعد إجراء بعض التعديلات، وبدأ فوزى يعيش حياة أسرية سعيدة مع زوجته كاريمان الشهيرة ب«فاتنة المعادى». وبدون سابق إنذار بدأت الدراما، فوجئ فوزى أن بوب عزام قدم الأغنية فى أوروبا باعتبارها من ألحان بوب نفسه، فى الوقت نفسه رفع محمد الكحلاوى دعوى قضائية يتهم فيها فوزى بسرقة اللحن منه، وذهب فوزى إلى المحكمة واستطاع أن يحصل على البراءة بعد مجهود عنيف، لكنه لم يستطع الحصول على حقوقه المادية التى هرب بها بوب عزام، بعدها بشهور صدرت القرارات الاشتراكية التى أممت شركة «مصر للأسطوانات»، وصله الخبر وهو يسجل إحدى أغنياته وذهب بنفسه لتسليم المصنع والمكتب للإدارة الجديدة التى قامت بتعيينه مستشارًا فنيا، وخصصت له مكتبًا فى غرفة كانت مخصصة من قبل لعمل الشاى والقهوة فانسحب معتذرًا من المكان كله. بعدها بأيام اتصلت به أم كلثوم تطلب منه أن يسرع فى عمل التعديلات المطلوبة على اللحن حتى تلحق الأغنية بالموسم الجديد، حاول فوزى، لكن الظروف المحيطة به أغلقت صمام الموسيقى المتدفقة داخل روحه فاضطرت أم كلثوم إلى تأجيل المشروع. بعدها بأيام وقع فريسة للمرض، لم يكن هناك طبيب واحد فى العالم يعرف تشخيصًا لحالة إنسان نام ثم استيقظ على آلام مبرحة فى جسمه، بدأ بعدها فى فقدان تدريجى ومنتظم للوزن بلا توقف حتى أصبح وزنه أقل من خمسين كيلوجرامًا، بعد أن اكتشف فوزى موسيقى جديدة استطاع مرض جديد أن يكتشف جسد فوزى.. مرض كان هو أول من أصيب به فى العالم كله، الأمر الذى جعل العلماء يسجلونه فى كل الموسوعات العلمية باسم «مرض محمد فوزى». وفى مستشفيات نيويورك قرر فوزى أن يعود إلى مصر، ليس يأسًا من العلاج، ولكن خوف من أن يموت غريبًا. ............. بعد وفاة فوزى فى أكتوبر 1966 عن عمر ثمانية وأربعين عامًا، شيع جثمانه من عمر مكرم ملفوفًا بعَلم مصر، بعدها اعتزل الكحلاوى الفن وتديَّن، وحاول محمد الموجى أن يستكمل تلحين الأغنية حتى تغنيها أم كلثوم، لكنه فشل. أغلقت شركة «مصر للأسطوانات» أبوابها بعد أن أفلست، ولقى بوب عزام مصرعه فى حادثة سيارة، ثم انشغلت مصر كلها بنكسة يونيو.