منى سليمان هذه قصة متكررة.. فى واقع الأمر هذه قصة تشبه ما عشناه وما زلنا نعيشه «فرط الإيمان يكاد يؤدى بى إلى الكفر» هكذا يعترف الحسن الجريفاوى لشيخه ولد الشواك فى لحظة شك.. فهل نحتاج إلى أن نتخفف من اليقين ولو بقدر يسير من الشك؟! ومنذ خالط الشك قلبه وطارده شبح الطفلة ذات الثوب الكستور الأزرق التى كانت تجرى أمامه فغرس فيها رمحه ورفعها مكبرًا، منذ تلك اللحظة «ما عاد يحلم بنبى الله الخضر، لكنه كان يحلم بعبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوًا». فهل كان يمكن للبشرية أن تنجو من لعنة دماء كثيرة أريقت لو كان من أراقوها ظنوا أنهم أوتوا يقين سيدنا الخضر -حين قتل الصبى لأنه يعلم أنه سيكون شقيا.. كانوا أكثر تواضعًا وأقل يقينًا- ؟! وماذا لو أن كثيرين من الذين تركوا دفء أسرتهم وظنوا أنهم سيصلحون العالم عبر نحر الرؤوس والأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة اختاروا طريقا آخر إلى الله لا يورد الخطأ فيه موارد التهلكة ولا يحملهم وزر الدماء؟ هل يسألون نفسهم ولو للحظة: ماذا لو كنا على خطأ؟ وهل تطاردهم أحيانا الكوابيس؟ هل يخامرهم الشك ولو قليلا فى أن القتيل يمكن أن يكون أقرب إلى الله من قاتله؟ هل يفكرون ولو للحظة فى الطفلة التى تسأل قاتلها عن أمها مثل الصبية ذات الثوب الكستور الأزرق؟ أسئلة تقفز إلى ذهنك بعد أن تنتهى من رواية الكاتب السودانى حمور زيادة التى يطرحها عبر سرد مشوق ولغة خاصة تجعلك تلهث وتحاول أن تستجمع أطراف قصة حب وثأر ما تلبث أن تورطك فى الأسئلة أكثر ما تحمل من إجابات. فرغم خصوصية واقع الرواية التى تدور أحداثها فى القرن التاسع عشر فى مدينة أم درمان متزامنة مع أحداث الثورة المهدية بلغة تحملك إلى عالم وتاريخ يكفى وحده بوعد القراءة الممتعة، فإن تفاصيل الشخصيات التى تستوى أمامك على مهل تجعلك تسأل نفسك: هل تقدمت البشرية خطوة واحدة إلى الأمام؟ ولماذا يبدو الأمر متكررًا؟ وهل علينا أن ندفع دائما ثمن أن مجموعة من الناس لديها فائض من اليقين يشعرهم أنهم الأفضل والأقرب إلى الله لتتحول كل الجرائم من قتل وتنكيل واغتصاب إلى أفعال مقدسة لا تغبر ثيابهم البيضاء؟ حواء أو ثيودورا التى جاءت عبر إرسالية مسيحية لتؤدى واجبًا مقدسًا تجاه بشر تراهم أقل وأبعد عن الله، مجرد وحوش سوداء جاءت لتحمل إليهم رسالة الرب التى اختص بها الرجل الأبيض، ثم ألقتها المقادير فى أتون الثورة المهدية التى قام بها دراويش من نوع آخر لديهم اليقين نفسه، بأن الله اختصهم وحدهم بهداية عباده أو إرسالهم إلى الجحيم الذى ينتظر الكافرين.