عذرًا، فأنا أكتب عنه وأنا لا أدعى الحيادية أو القواعد المهنية، أكتب عنه وأنا تحت ضغوط نفسية وصراعات تمنعنى أن لا أبدو بهذا الانحياز العاطفى الواضح، أكتب عنه وأنا تحت وطأة حبه الشديد الذى أسميه عشقا وانجذابا لشخص بسيط بدأ من تحت الصفر مطربا يحاول أن يجد مكانا فى ملاهى شارع الهرم ليحصل على قُوته وتم رفضه فى معهد الموسيقى العربية وعانى سنوات الفقر والغربة حتى أصبح أسطورة، نعم فعلها وما زال منفردًا. إن كنت تحب عمرو دياب أو «عمراوى» مثلى أو مثلما يطلقون على عشاقه فلن تجد كلامى غريبًا وإن لم تكن كذلك فلن تنكر عليه «أسطوريته» وذكاءه وأنه أكثر مطرب منذ ثلاثين عاما جعل الجميع يصلون إلى نشوة الاندهاش اللا نهائى، والذى لا نعرف إلى أين سيصل بنا معه. يرقد فى ذاكرتى ووجدانى ويتربع عمرو دياب وما زلت أتذكر كيف عرفته وكيف أدهشنى طوال ثلاثين عاما. نعم عرفته منذ ثلاثين عاما ولم أكن فى درجة من الوعى تجعلنى أستطيع أن أميز الأصوات الغنائية أو أتذوق معنى الموسيقى من الأصل، كنت طفلة صغيرة سمعت أغنية له اسمها «حمد الله ع السلامة» فعلقت بأذنى ورسخها مزجها بإعلان تليفزيونى لا أذكره كان يتردد كثيرًا وأنا فى مرحلة بعيدة عن الإدراك الواعى جذبتنى الأغنية وربما اللحن رأيت رجلا يغنى بشكل أسعدنى كطفلة فسألت أمى عنه التى يتصادف أنها أيضًا بورسعيدية مثله، فقالت بفخر «دا اسمه عمرو دياب ولد لذيذ قوى وبلدياتى جارنا فى بورسعيد». كنت ساذجة بحكم سنى ولم أشك من الأصل هل هذه المعلومة صحيحة أو ربما معلومة سماعية وصلت لأمى أو جملة تقولها بحكم التباهى. لكن منذ ذلك الحين تخيلت أن عمرو دياب أحد أقاربنا، لأنه جار والدتى أو بلدياتها. لا أتذكر كل أسباب انتباهى له لكن أتذكر فقط أنى من هذا الوقت بدأت أعرفه وتطور انتباهى له واهتمامى به بتطور عُمرى حتى أصبحت أتابعه وربما ألاحق أى شىء يصدر عنه أو منه، شعرت بكمٍّ غير محدود من الارتباط به، أنا أكبر وأفهم وعمرو يكبر وينتقل إلى مراحل فنية متصاعدة مع كل أغنية غناها وألبوم أصدره لكل جيلى الثلاثينى ذكريات وحكايات، فقد عرفنا الحب وكلماته على صوت عمرو دياب وحفر فينا كل ألبوم علامة ارتبطت بتكويننا العاطفى والإنسانى وحتى الدراسى ففى كل شتاء كان لعمرو دياب ألبوم ننتظره وللتصحيح لم يكن وقتها اسمه «ألبوم» بل كان اسمه «شريط» وكان سعره يصل إلى نحو خمسة جنيهات أو سبعة ونصف أحيانا ومع دخول العام الدراسى فى الشتاء كان عمرو هو موسمنا الفنى، حيث ارتبطت أغنياته بطريقتنا فى المذاكرة وطريقتنا فى الحب وارتبط الشباب المراهق بملابسه التى يطل بها فى بوستر كل ألبوم أو فى أحدث فيديو كليب. عمرو هو الظاهرة التى تابعها جيلى، نعم هو هضبة جيلى الثلاثينى التى صمدت ونجحت واستمرت وصعدت وهو الهضبة التى تحطمت عليها أحلامنا كمراهقين وبكى مشاعرنا المجروحة فى قصص الحب الفاشلة، وهو مَن أفرحنا وفرح معنا فى قصص الحب الجميلة، وإلى الآن لا يزال عمرو هو المطرب المستقر فى ذاكرتك عبر مراحل عمرك ستجده المطرب المطبوعة صورته فى عينيك والراسخة حنجرته فى وجدانك ستفرح بحبك على أغنياته وستجده أكثر من يعبر عنك مع كل خيباتك، عمرو دياب هو الرجل الذى اخترق جيلنا واحتلنا ليعوضنا وينجينا من أسطورة «حليم» التى ربما مللت من معايرة أهلك لك بأنه أسطورة جيلهم العظيمة، وأننا جيل ليس لنا «حليم». لا أنكر على عمرو أنانيته الشديدة، وكلما أسمع أغنية حديثة له تقول كلماتها «أنا مش أنانى» أضحك وأردد مع نفسى «لا إنت أنانى قوى ولو إنت مش أنانى مين اللى أنانى» عمرو دياب أنانى بكل مقاييس الكلمة، بل حوّل الأنانية إلى طغيان يتمادى فيه بمرور الزمن وليس للأنانية معنى فى حالته إلا أنه احتكر قلوب وعقول ومشاعر أجيال متعاقبة، فلم يسمح لنا بأن نحب غيره ولم يترك غيره يعلو عليه. وبعيدًا عن العاطفة والتأثر الإنسانى والتاريخى الذى يلازمنى فى الحديث عنه فلنحلل ظاهرة عمرو دياب التى بدأت منذ عام 1983 أى منذ 31 عاما، واسأل نفسك دون حرج: من المطرب الذى فعلها باستثناء عبد الحليم حافظ ومحمد منير؟ كيف استمر عمرو وطوّر نفسه وشكله وألحانه وكلمات أغنياته وإيقاعاته وأسلوبه و«فيديو كليباته» حتى استقر دون منازع على القمة؟ كيف لم تهزمه سِنُّه الخمسينية ولم يطغَ على صوته ووجهه وروحه؟ كيف نراه أسطورة لن تتكرر؟ ولماذا لم يستمر فى منافسته أحد رغم وجود محاولات وأصوات رائعة وجادة تستحق كل التقدير والاحترام والحب؟ كيف نافسه راغب علامة سنوات فى التسعينيات منذ «قلبى عشقها»، وانقسم بعض جمهور دياب انبهارًا بصوت اللبنانى الرائع علامة؟ وكيف غاب راغب عن منافسته وعاد جمهور عمرو يقدم صكوك الولاء من جديد؟ محمد فؤاد أيضًا المطرب صاحب الصوت الذى لا يتكرر نافس عمرو، وكان الأمر مشتعلا لسنوات طويلة مع ألبومات فؤاد التى أحدثت ضجة، وأبرزها «هودعك» و«فاكرك يا ناسينى» نجح فؤاد وما زال، لكنه لم يقترب من منطقة عمرو، فهى منطقة شائكة بذكاء عمرو وحرفيته ومهنيته. عمرو دياب احتاج لينجح ويستمر ذكاء نادرًا، وهو أيضًا موهبة أبرز وأهم من موهبة صوته، وبهذا الذكاء حقق النجاح الذى وصل ليكون عقدة الأجيال الجديدة وبدون عقد مقارنات ومع الاعتراف بشعبية جارفة لتامر حسنى ومجهود قاتل يبذله ليكون نجم الجيل، لماذا ظل عمرو مكانه ولم يتزحزح للحظة؟ لماذا لم يصبح مطربا عفا عليه الزمن بحكم سنه الخمسينى؟ لماذا لم يعف عليه الزمن شكلا ومضمونا؟ ولنتتبع أيضًا محمد حماقى بكل أغنياته الناجحة واجتهاداته المتوالية وبكل التنبؤات الإيجابية، لأنه سيكون البديل والخليفة. لماذا ظل نجمًا داخل الجيل ولم يزح عمرو أيضًا أو يصل مرة ليقال عليه إنه رقم واحد؟ الإجابة ببساطة لأن رقم «1» يعنى شخصا واحدا هو «عمرو دياب». منافسو عمرو رغم تعاقب أجيالهم يدركون جيدًا رغم نجاحاتهم أنه ظلمهم بذكائه وأنانيته الطاغية التى أحكمت قبضتها وسيطرتها على هضبة المقدمة التى تحطم أحلام كل من يحاول الاقتراب. وربما لم يتخيل عمرو نفسه عندما جاء من بلده الصغير عام 1982 ليلتحق بمعهد الموسيقى العربية ويتم رفضه، أنه سيقفز وينجح ويصمد ويستمر حتى يأتى اليوم الذى يصل فيه إلى العالمية وتترجم بعض أغنياته إلى عدة لغات، أهمها الإنجليزية والروسية والكرواتية والبلغارية والتركية والألبانية والهندية، ويكون أبرز علامة فنية على مدار ثلاثة عقود متوالية ليصبح «نجم الأجيال» والمطرب دائم الشباب ورائع الرونق الذى ينطبق عليه أغنيته الشهيرة «أنا مهما كبرت صغير». علامات فى مسيرة عمرو: تُرجمت أغنيته «تمللى معاك» إلى 6 لغات. دخلت أغنيته «حبيبى يا نور العين» موسوعة جينيس العالمية كواحدة من أفضل 50 أغنية فى العالم فى القرن العشرين. منذ عام 1983 وحتى 2014 قدم ما يزيد على 34 ألبوما.. أولها «يا طريق» عام 1983 وأحدثها «شفت الأيام» عام 2014. حصل على جائزة «ميوزيك أوورد» 4 مرات. فى تجاربه التمثيلية النادرة التى انحاز فيها جمهوره إلى موهبته فى الغناء ونصحوه بالابتعاد عن التمثيل حقق فيها انفرادًا.. ففى عام 1999 اختارت جامعة كاليفورنيا الأمريكية فيلمه «آيس كريم فى جليم» ضمن أفضل 5 أفلام فى تاريخ السينما المصرية.