سعر الدينار الكويتى اليوم الإثنين 19- 5- 2025 بمنتصف التعاملات    محافظ قنا يتابع ملف إزالة التعديات وتقنين أراضى أملاك الدولة    صندوق النقد يبدأ المراجعة الخامسة لبرنامج مصر الاقتصادي تمهيدًا لصرف 1.3 مليار دولار    الرئيس السيسى: العلاقات المصرية اللبنانية ممتدة منذ أيام الفراعنة والفينيقيين    بعد العثور على أرشيف الجاسوس الإسرائيلى إيلى كوهين.. الموساد يبحث عن رفاته    بلومبرج: بوتين واثق من امتلاكه "اليد العليا" قبل مكالمته مع ترامب    وزير الرياضة يُشيد بتنظيم البطولة الأفريقية للشطرنج ويعد بحضور حفل الختام    رئيس أزهر شمال سيناء يتابع امتحانات الابتدائية والإعدادية بمعاهد العريش    النيابة تحقق فى سرقة ملايين الدولارات من مسكن الدكتورة نوال الدجوى بأكتوبر    تعرف على حالة الطقس اليوم الإثنين 19-5-2025 فى الإسماعيلية.. فيديو    رئيس الوزراء يناقش سُبل الاستفادة من الآثار الغارقة بخليج أبي قير    القاهرة الإخبارية: أكثر من 30 شهيدا فى غارات إسرائيلية على غزة منذ فجر اليوم    فيلم سيكو سيكو يسجل 651 ألف جنيه ليلة أمس الأحد فى السينمات    الوزراء: لا وجود لأي متحورات أو فيروسات وبائية منتشرة بين الدواجن    المنوفية.. مصرع ممرضة جراء حادث تصادم سيارتين في أشمون    ضبط 179 مخالفة خلال حملة تموينية في الفيوم    مكتبة الإسكندرية تستضيف وفد منحة ناصر للقيادة الدولية في نسختها الخامسة    ليبيا.. لجنة من مجلسي النواب والدولة تباشر فرز مرشحي رئاسة حكومة جديدة    ميسي يخرج عن صمته بتصريحات نارية ويهاجم التحكيم في الدوري الأمريكي    لتكريم إرثه.. مكتبة الإسكندرية تفتتح ركنا خاصا لأدب نجيب محفوظ    صدامات نارية في إياب ربع نهائي كأس عاصمة مصر مساء اليوم    الرعاية الصحية تطلق «دمتم سند» لتعزيز خدمات كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة بالإسماعيلية    "القومي للمرأة" يستقبل وفدا من كلية الشرطة الرواندية وكبار الضباط الأفارقة    تخصص 50 فرصة عمل لطلاب جامعه سوهاج    جدول امتحانات الصف الثاني الثانوي 2025 بالمنيا.. التفاصيل الكاملة لجميع الشعب والمواعيد الرسمية    "الإدارة المركزية" ومديرية العمل ينظمان احتفالية بمناسبة اليوم العالمي للسلامة والصحة المهنية    غزة تحت القصف.. 22 شهيدا في مجازر متواصلة    "بدوي": تكوين ذراع فنى لشركة ثروة للبترول لاكتشاف فرص استثمارية جديدة    GAC الصينية تعلن ضخ استثمارات بقيمة 300 مليون دولار لإنشاء مصنع سيارات في مصر    ما حقيقة الفيروس الخطير الذي أصاب مزارع الدواجن؟ «منتجي الدواجن» يكشف (فيديو)    البنك المركزي المصري يستأنف إصدار تقرير السياسة النقدية ربع السنوي    شوبير يكشف مفاجأة حول الجهاز الفني ل الأهلي بقيادة ريفيرو    أسطورة مانشستر يونايتد: سأشجع الأهلي في كأس العالم للأندية 2025    نائب وزير الصحة يتابع ميكنة خدمات الغسيل الكلوي ومشروع الرعايات والحضانات    بعد إصابة «بايدن».. أعراض الإصابة بسرطان البروستاتا    ضبط متجرى المواد المخدرة ومصرع عنصرين جنائيين عقب تبادل إطلاق النيران مع قوات الشرطة    متحف الحضارة يحتفل باليوم العالمي للمتاحف 2025    أمين الفتوى: الوصية الشفوية يُعتد بها إذا أقر بها الورثة أو سمعوها من المتوفى    رفضت رد قائمة المنقولات.. الإعدام شنقاً لقاتل طليقته في الإسكندرية    تقارير: مودريتش يرغب في تمديد عقده مع ريال مدريد حتى 2026    إثيوبيا تتعنت، خبير يكشف سر تأخر فتح بوابات سد النهضة    محافظ بورسعيد يودع حجاج الجمعيات الأهلية بمديرية التضامن الاجتماعي    الرعاية الصحية تطلق مبادرة "دمتم سند" لتعزيز خدمات كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة    رئيس الطائفة الإنجيلية يشارك في احتفالية مرور 17 قرنا على مجمع نيقية بالكاتدرائية المرقسية    انخفاض البلدي.. أسعار البيض اليوم الاثنين 19-5-2025 في الأسواق (موقع رسمي)    البث العبرية: ساعر طلب إدخال مساعدات لغزة بعد ضغط أوروبي وأمريكي    تركي آل الشيخ يشارك متابعيه كواليس «الأسد» ل محمد رمضان |فيديو    بولندا تتجه إلى جولة إعادة للانتخابات الرئاسية    إسرائيل تواصل تصعيدها.. استشهاد 171 فلسطينيا في قطاع غزة    هل هناك فرق بين سجود وصلاة الشكر .. دار الإفتاء توضح    عمرو دياب وحماقي والعسيلي.. نجوم الغناء من العرض الخاص ل المشروع x    قبل أيام من مواجهة الأهلي.. ميسي يثير الجدل حول رحيله عن إنتر ميامي بتصرف مفاجئ    من بين 138 دولة.. العراق تحتل المرتبة ال3 عالميًا في مكافحة المخدرات    على فخر: لا مانع شرعًا من أن تؤدي المرأة فريضة الحج دون محرم    أحكام الحج والعمرة (2).. علي جمعة يوضح أركان العمرة الخمسة    نجل عبد الرحمن أبو زهرة لليوم السابع: مكالمة الرئيس السيسي لوالدي ليست الأولى وشكلت فارقا كبيرا في حالته النفسية.. ويؤكد: لفتة إنسانية جعلت والدي يشعر بالامتنان.. والرئيس وصفه بالأيقونة    هل يجوز أداء المرأة الحج بمال موهوب؟.. عضوة الأزهر للفتوى توضح    قرار تعيين أكاديمية «منتقبة» يثير جدلا.. من هي الدكتورة نصرة أيوب؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سناء البيسى.. سيدة الكتابة
نشر في التحرير يوم 18 - 09 - 2014


1
الطيبون والأشرار خرجوا كلهم وراء نعش يوسف بك وهبى يودِّعونه إلى مثواه الأخير.. بين صفوف المشيعين تسانَد محمود المليجى على توفيق الدقن يهمس له: «الظاهر خلاص الدفعة مطلوبة، وباين الحكاية بالدور يا تيفة»، ويرد الدقن مجففًا دموعه: «كله على ودنه يا أبو حنفى»!
ذلك المشهد رسمته على الورق سناء البيسى فى أحب كتبها إلى قلبى «سيرة الحبايب»، وروعة سناء أن رسمها يصف بدقة، ويحلل برقة، ويكشف الخفايا والخبايا، فهى ترسم بالكلمات تمامًا مثل زوجها الفنان منير كنعان، الذى كان يبدع فى رسم اللوحات، كلاهما يرسم، هى ترسم بالكلمات، وهو يرسم بالفرشاة.
ما حدث بين منير وسناء يشبه حكايات ألف ليلة، فقد رأها للمرة الأولى حين كانت طالبة فى كلية الآداب قسم صحافة، ولم تكن قد تجاوزت السابعة عشرة من عمرها، لكنه التقط فى عينيها نورًا، ووهجًا، ورأى بداخلها جمالاً أراد أن يسجّله فى واحدة من لوحاته التى تتصدَّر غلاف مجلة «آخر ساعة»، ووافقت طائعة، وسارت معه منساقة مبهورة منوَّمة -على حد تعبيرها- وجلست أمامه موديلّاً يحتضن زهر المشمش، وأدمنت الجلوس أمامه ليرسمها، وكانت تمضى ساعات وهى تجلس فى وضع متحجِّر، تعانى جاهدة أن لا يهتز لها طرف أو ترعش عيناها أو تسند فقرات عمودها الفقرى المتيبّس لطول جلوسها على مقعد خشبى، لكن يهون التعب كله فى لحظات للحوار والوئام والتهافت والتراحم والحب والارتباط ورسائله الخاصة التى يدندن لها بها عندما يستغرقه الرسم: «ياللى نويت تشغلنى طاوعنى وابعد عنى.. إن حبيتك يبقى يا ويلك من حبِّى.. وراح أشغل فكرى وبالى عليك وأحبك وأفضل أعيش فى هواك لحد ما ييجى يوم وألاقيك آمنت بحبى وجيت برضاك».
وذهبت إليه راضية مطمئنة، وتزوَّجا، وعاشا معًا، ليغدو تأثيره وآثاره حاضرة دومًا فى ما تقوم به، وما تنطق به، وما تنظر إليه، وما تنتقده، وما تفتقده، وما تسعى إليه، وما تتجنَّبه، وما تحبّه، لذا تقول عنه (فى حوارها المهم مع أمل سرور): «ألم يرسم على وجهى الابتسامة والغضبة وحمرة الخجل وتهويمة الشجن.. ألم يذقنى عصارة الكرز ورحيق الياقوت ويسافر بى فى حمرة الفجر والشفق وخدود الورد.. ألم يمنحنى هبة عمرى ابنى هشام».
2
لم يصنع فارق الثمانية عشر عامًا حاجزًا بين منير وسناء، فمنير ولد فى فبراير عام 1919، أما سناء فقد ولدت يوم الجمعة الأول من يناير عام 1937.
حينذاك أعلن أحمد حسين عن حزب مصر الفتاة، وتم الانتهاء من تصوير فيلم «سلامة فى خير» لنجيب الريحانى، وعُرض فيلم «نشيد الأمل» بطولة أم كلثوم، وفيلم «ليلى بنت الصحراء»، لكن تم وقف عرضه لاعتراض الخارجية الإيرانية باعتباره يسىء إلى أحد الرموز الإيرانية.
وقام رئيس الديوان الملكى ببث شائعة أن الوفد حزب يسيطر عليه الأقباط بقيادة مكرم عبيد، فأُقيلت وزارة الوفد!
فى هذا التوقيت ولدت سيدة الكتابة سناء البيسى، وكان والدها يشغل منصب مدير مصلحة الآثار العربية، وكان أقرب الأصدقاء إليه حسن عبد الوهاب عالم الآثار الإسلامية، الذى قام بتحديث قبة الصخرة فى القدس، أما والدتها فكانت ترأس لجان الأوقاف الأهلية التى تنادى بحل الوقف على أساس الشرع، واستقبلها الرئيس عبد الناصر فى بيته بمنشية البكرى، ليُنصت لوجهة نظرها.
حار والدها فى تسميتها، فسمّاها صديقه عالم الآثار الإسلامية الذى قام بتحديث قبة الصخرة فى القدس، «سناء»، لتحمل المجد والرفعة لأبيها ولعائلتها ولمصر بأسرها، وظلَّت الفتاة الصغير نهمة بحب المعرفة، فكانت لا تنام إلا وقد احتضنت كتابًا ينام على صدرها، فقد ورثت من أمّها نهم القراءة.
وكانت أمنية والدها أن يراها يومًا مثل الدكتورة عائشة عبد الرحمن، بعدما لمس عشقها للورقة والقلم، لكن لم يكن هناك قسم لدراسة الصحافة فى كلية الآداب، فرأى والدها أن تغدو محامية لتستعين بمكتبته القانونية العامرة، وبالفعل قدَّمت أوراق نجاحها فى شهادة التوجيهية لكلية الحقوق جامعة عين شمس.
وقبل دخول الكلية بأيام سمعت صوت صديقتها صافى ناز كاظم، ينطلق فى مدخل البيت الذى تسكنه فى حى العباسية، وتصرخ قائلة: «فتحوا قسمًا جديدًا للصحافة فى جامعة القاهرة»، فسارع والدها لينقل أوراقها من الحقوق إلى الآداب، تحقيقًا لرغبة ابنته.
وذهبت سناء إلى قسم الصحافة بكلية الآداب بجامعة القاهرة، والتقت الأستاذ مصطفى أمين، وكتبت عن لقائه تقول: «حضر الأستاذ مصطفى أمين ليلقى علينا محاضرة لم أفهم معظمها، لأنه كان ينفث كلماته بين أنفاس سيجارته التى غرسها بين شفتيه فضاعت مع الدخان».
وقرأ العملاق مصطفى أمين ما كتبت، فقرر أن تعمل فى «أخبار اليوم»، وتدرَّجت داخل هذه المؤسسة التى صنعت أساطير الصحافة، ثم انتقلت إلى «الأهرام» لتلتقى بنت الشاطئ، وتصير صديقة لها، وقريبة إلى قلبها -بل صارت الدكتورة عائشة تمدح كتاباتها- لتحقِّق سناء حلم أبيها!
3
تأثَّرت بها كثيرًا، وعجزت عن الكتابة عنها طويلاً، وشعرت أنها لم تحصل على ما تستحق مقارنة بعطائها غير المحدود للصحافة، وأشعر دائمًا أنى مدين لها، وأنها أستاذتى حتى لو لم نلتقِ يومًا، ولم تنشأ بيننا أى علاقة.
وربما من أسباب أنى عجزت طويلاً عن الكتابة عنها هو أن المبدع عمر طاهر كتب عنها فأوجز كل ما يُقال، وأغلق -كعادته- الباب خلفه على مَن يأتى بعده.
لكن الكتابة كلها لا تعطى سيدة الكتابة حقّها، فقد صنعت من مجلات المرأة شيئًا يجب دراسته، وتدريسه، وتعميمه، وخلقت فرعًا جديدًا فى الصحافة قبلها كان هامشًا، وهامشيًّا، ومعها صار مهمًّا، ومركزيًّا، وبعدها خرج الجميع من عباءتها.
فحين شرعت سناء البيسى فى إصدار مجلة «نصف الدنيا» فى فبراير 1990، طلب منها ثلاثة من جبابرة الكتابة أن تحجز لهم صفحات أسبوعية يكتبون فيها.
الأول هو الأستاذ أحمد بهاء الدين، أما الثانى فهو العم نجيب محفوظ الذى قرر أن يمنحها كل ما يجود به قلمه، ليكون حكرًا لها وحدها، فخرجت على صفحات «نصف الدنيا» أصداء سيرته الذاتية.
أما الثالث فهو العملاق يوسف إدريس الذى طلب منها أن تحجز له الصفحة الأخيرة، ليكتب فيها مذكراته، وقال لها يومها: «سأكتب لأول مرة قصة حياتى الحقيقية من بداية مولدى طفلاً فى قرية البيروم، سأكتب أخطر أعمالى الأدبية التى فيها تعرية للنفس والتاريخ والأصل والنسب والأسباب والمسببات ودور الأم والأخت والجدة وأصل المعرفة».
وبدأ إدريس يكتب فصلاً وآخر وآخر، ويواصل اعترافاته بجرأة لم يصدقها أحد، فقد كانت عبارات الأديب الجرىء تتجوَّل بحرية جامحة، وظل يكتب أحداث حياته وفجأة وجدت صوته يعتذر عن عدم التكملة، وحاولت سناء أن تثنيه عن قراره الانقطاع عن الكتابة لكن دون جدوى، ولم يكتمل هذا العمل الأدبى الذى حمل عنوان «ملكة» الذى كان يعتبره إدريس الأهم فى حياته.
ما حققته سناء البيسى فى مجلة «نصف الدنيا» كان بالدنيا كلها، فلا يمكن أن يدَّعى أحد أنه آتٍ بما لم تأتِ به سناء البيسى، فقد صنعت كل شىء، ما يخطر ببالك، وما سيخطر فى بال الأجيال القادمة.
فقد كان القارئ يبحث عن هذه المجلة المتخصصة فى شؤون المرأة رغم أنها كانت الأعلى سعرًا، لكنها كانت الأغنى فنًّا فى السوق الصحفية، لذا كانت تنفد عن آخرها، على الرغم من أن سعر المجلة -بالهدية- كان خمسة عشر جنيهًا، لكنها كانت رائدة فن المرتجع صفر!
وهو فن لو تعلمون عظيم!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.