حسنا فعل الكابتن مرتضى منصور بأن خلع التريننج سوت الخاص بالكوتش سريعا، وعاد إلى روب الأستاذ، ليس لأن الملابس الرياضية لا تليق عليه، ولكن لأن كرة القدم فى الملعب علم وفن، وليست فهلوة وانطباعات جماهير، حتى كان رئيس مجلس إدارة، وإذا راجعنا تصريحات الكابتن مرتضى التى تراجع فيها فهى مدهشة، وتشى بأنه كان يحلم أن يكون مدربا حتى لو لم يلعب كرة القدم، وقد عرفت اللعبة مدربين كبارا لم يلعبوا كرة القدم أبدا مثل البرتغالى أندريه فلاش بوش مدرب توتنهام السابق. لكن الكابتن مرتضى يريد أن يدير المباريات من المقصورة، وهو عمل صعب جدا إن لم يكن مستحيلا، ولو حدث فيمكن له أن يسجل براءة اختراعه باسمه، ويقرن اسمه باسم أعظم كوتش فى القرن العشرين، وهو ميشيل مخيلز، مدير فريق هولندا الذهبى فى السبعينيات، الذى اخترع «الكرة الشاملة»، وابتكر لها أساليب لعب لم تكن معروفة، وخرج عنها عشرات الطرق، ومنها طريقة لعب برشلونة وإسبانيا «التيكى تاكا». لكن تصريحات مرتضى الكروية عقب خسارة الزمالك أمام الأهلى بضربات الحظ الترجيحية، تكشف أن «الكتشنة» أصعب كثيرا من المحاماة، فحكاية أن يلعب الزمالك برأسى حرب بقرار ملزم، مسألة غير منطقية، فكل مباراة لها ظروفها وتكتيكها وخطة لعبها، وهى تعتمد على قراءة جيدة للخصم، والحالة التى عليها اللاعبون فى التدريبات الأخيرة، وسيناريوهات متوقعة ومتغيرة للمباراة حسب سيرها والهدف منها، ثم مستوى أداء اللاعبين خلالها. وتوقفت مبتسما أمام عمليات التغيير والاستبدال التى أجراها الكابتن مرتضى، إذ قرر إخراج عمر جابر وأحمد توفيق نهائيا، وحرمانهما من لبس فانلة الزمالك، وإحلال رضا العزب ومحمد شعبان بدلا منهما، وهو قرار غريب لا علاقة له بكرة القدم، ويشبه القرارات السياسية التى كانت تأخذها الجماعة غير المأسوف عليها، لأنها فى «السلطة وعايزة كده»، وبالطبع لا عيب فى رضا ولا شعبان، لكن قرارات الاستغناء والاستبدال لا تؤخذ بهذا الشكل، فهل الكابتن مرتضى على دراية كاملة بحالتهما البدنية والفنية أم هو يفضلهما لمجرد أنهما من الصفقات الجديدة، والغربال الجديد له شدة ويجب استعماله بسرعة قبل أن تترهل خيوطه! نعود إلى السؤال الأهم وهو: هل كان يجب أن يفوز الزمالك على الأهلى بالضرورة ويحصل على كأس السوبر، لكن حسام حسن ولاعبيه الجدد قصروا ولم يفعلوا «العادى جدا والمنتظر»، فهرب منهم الفوز ثم الكأس؟ هذا السؤال تحديدا هو سر خسارة الزمالك، فلا يوجد فى كرة القدم «فوز» بالضرورة، ولا يعنى شراء الزمالك ل17 لاعبا جديدا أنه صار فريق «الأسد المرعب»، الذى سوف يلتهم كل منافسيه فى أى نزال كروى فى الملعب.. هذه تصورات ساذجة لا أساس لها من الصحة، فكرة القدم الحديثة لا تعنيها «مهارات اللاعبين الفردية»، بقدر ما تعنيها كيفية توظيف كل لاعب لمهاراته فى أداء مهمة تتكامل مع مهام زملائه، فتصنع أسلوبا ونظاما فى الأداء أعلى من أسلوب ونظام المنافس، ولو كانت كرة القدم بالمهارات الفردية لكان لاعب مثل شيكابالا أعظم لاعب فى العالم، فمهارته الفردية رهيبة ولا تقل عن مهارات ليونيل ميسى.. فأين هو الآن؟ ولعب كرة القدم داخل المستطيل الأخضر يقوم على عنصرين فى غاية الأهمية: نظام اللعب والتزام اللاعبين بأدوارهم، لصناعة مساحة تتحرك فيها الكرة على نحو فعال وخطير على مرمى المنافس، وفى الوقت نفسه تغلق المساحة بإحكام أمام اللاعبين المنافسين لتصعيب الحركة ومنعهم من الخطورة على المرمى، وهنا لا يهم مدى استحواذ الفريق على الكرة، فهناك فرق تستحوذ عليها فوق الستين فى المئة من وقت المباراة ولا تسجل، لأنها تستحوذ عليها فى مناطق ميتة الخطورة، ووجود 17 لاعبا جديدا فى الزمالك لا يعنى أن فريق الزمالك أصبح فريقا لا يقهر، ولا أريد أن أفصل مهارات كل لاعب الفردية ومهاراته الجماعية، حتى نبين صحة الافتراض الذى وضعه الكابتن مرتضى لفريقه، لكن الأهم أن 17 لاعبا لن يلعبوا مرة واحدة ولا على مرتين، فالفريق ما زال به ثمانية لاعبين من الفريق القديم، وفريق اللعب باحتياطييه لن يزيد على 18 لاعبا يلعب فعليا منهم 14 فقط فى المباراة، إذن نحن نتحدث عن 14 لاعبا فى مقابل 14 لاعبا، وأى مقارنة موضوعية بين فريق الزمالك وفريق الأهلى لن تجد «فجوة كبيرة ولا نصف كبيرة» بين الفريقين، قد تعلو قليلا بعض المهارات الفردية عند الزمالك، لكن فى التوظيف العام لها، كان الفريقان متساويين تقريبا، وكان الأهلى أفضل نسبيا فى صناعة الهجمات، وليس سبب ذلك أن الزمالك لعب برأس حرب واحد، هو عبد الله سيسيه، والأهلى لعب برأسين حربة هما: صلاح الإثيوبى وعمرو جمال، فصلاح نزل إلى منتصف الملعب أكثر مما دخل منطقة جزاء الزمالك. ومشكلة الزمالك أمس كانت فى الضغوط الرهيبة التى وضعت على أكتاف مديره الفنى حسام حسن ولاعبيه الجدد، فقد قال لهم مرتضى عبر عشرات التصريحات: سنفوز سنفوز، بل إنه راهن على ذلك كجزء من حملته على مجلس إدارة الأهلى، فنزل اللاعبون وهم مرعوبون من عفريت الخسارة، واللى يخاف من العفريت يطلعه ولو فى ضربات الجزاء الترجيحية. المدهش أن عددا من مدربى الزمالك ولاعبيه السابقين وقعوا فى نفس الخطأ، حين خرجت كل تصريحاتهم بأن الفوز بالسوبر قادم لا محالة، فالزمالك عنده أحسن لاعبين فى مصر فى كل المراكز، ونسوا أهم قاعدة فى كرة القدم وهى أنها استراتيجية وليست عضلات فقط، كما هو الحال مثلا مع أتليتيكو مدريد مع ريال مدريد، هل أتليتيكو يملك لاعبين ذوى مهارات فردية كلاعبى الريال؟ ولو قارنا كل لاعب فى أتليتيكو مع نظيره فى الريال هل هو الأفضل؟ من المؤكد أن أتليتيكو ليس لديه رونالدو، ولا بنزيمة، ولا بيل جارث، ولا سرخو راموس، ولا مارسيللو، لكن أتليتيكو هو الذى فاز، وسبق له قبل ثلاثة أشهر أن لهف بطولة الليجا الإسبانية من برشلونة على ملعبه، ولا يلعب له ميسى، ونيمار، وإنييستا، وفابريجاس، وتشافى هرنانديز، وأتحدى أن يتذكر قارئ أسماء ثلاثة لاعبين فى أتليتيكو مع «دى كوستا» المنقول مؤخرا إلى تشيلسى الإنجليزى، بل إن بورتو البرتغالى أخذ بطولة أوروبا مع مورينيو من عمالقة اللعبة «الريال، والبارسا، ومانشستر يونايتد، والبايرن، وميلان»، ولم يكن معه نصف المهارات الفردية لأى فريق من هؤلاء. الكرة لا تعترف إلا بكيفية أداء وظيفة اللاعب فى المستطيل الأخضر، ودوره المتكامل مع بقية أفراد الفريق وفق استراتيجية يمكن تنفيذها بإجادة. وشكرا للكابتن مرتضى أن خلع زى الكوتش وعاد إلى روب الأستاذ!