قررت أن أمارس الصمت الانتخابى ولو ليوم واحد، لن أفتح التليفزيون ولن أتابع برامج الكلام الذى لا ينتهى، سأقضى الأمسية مع ديوان شعر وكاسيت صغير وبعض شرائط من موسيقى وأغانٍ أحبّها. بعد قليل.. انضم جهاز الكاسيت القديم إلى «الصمت الانتخابى» أيضًا وتعطَّل عن العمل. ولا تسأل عن الراديو، فأنا لا أستطيع سماعه فى منزلى، لأسباب حار الخبراء فى تفسيرها «أو هكذا قالوا»، أما ديوان الشعر الذى التقطته فكان لأمل دنقل، ولك أن تتخيَّل صمتًا جميلًا على أنغام «الكعكة الحجرية» أو نداء «لا تصالح». عدت إلى التليفزيون مرغمًا، لكن الله كان رحيمًا بى، حيث فوجئت بمباراة نهائى أندية أوروبا فى الكرة، وكنت قد نسيت موعده. المباراة كانت حدثًا فريدًا فهى بين ناديى العاصمة الإسبانية ريال مدريد وأتليتيكو مدريد، فى سابقة لم تحدث من قبل، بعد أن تمكَّن الناديان من إقصاء كل الفرق الإنجليزية والإيطالية والألمانية والإطاحة أيضًا بالجار الإسبانى الذى أصبح يشبه الأسد العجوز «نادى برشلونة»!! دخل «أتليتيكو مدريد» المباراة منتشيًا بفوزه الأسبوع الماضى بدورى إسبانيا بعد غياب طويل. بينما دخل «ريال مدريد» المباراة وقد فقد الدورى، ولكنه فاز بالكأس واستعاد الثقة وقدَّم أداءً مبهرًا فى المباريات السابقة بدورى أوروبا. لكنه كان يعانى الكثير فى هذه المباراة.. نجمه رونالدو عائد من إصابة واضح أنه لم يُشفَ منها تمامًا. ونجمه الآخر «بيل» انفرد بالمرمى مرَّتين وأضاع الفرصتين بطريقة تقول إنه أيضًا يلعب وهو غير سليم، حتى حارس المرمى المتألق «كاسياس» ارتكب خطأً ساذجًا يذكّرك بأخطاء حُرّاس المرمى عندنا، كانت نتيجته هدفًا مبكرًا لفريق «أتليتيكو مدريد» وتخبّط وسربعة فى أداء ريال مدريد. فى الشوط الثانى، تدارك «ريال مدريد» الأمر، وسيطر على الملعب فى ظل انكماش «أتليتيكو مدريد»، لكن النتيجة ظلَّت كما هى حتى انتهى الوقت الأصلى للمباراة، ولم تبقَ إلا الثوانى الأخيرة من الوقت المضاف بدل الوقت الضائع حين سجَّل «ريال مدريد» هدف التعادل.. لتبدأ مباراة أخرى فى شوطين جديدين من الوقت الإضافى يتمكّن فيهما «ريال مدريد» من تسجيل ثلاثة أهداف أخرى، ليفوز بالبطولة للمرة العاشرة بعد دراما مثيرة، ومباراة قد لا تكون فنيًّا هى الأجمل، ولكنها حفلت بكم من الإثارة يكفى لتبديد ملل كل مباريات الكرة وبرامج الكلام التليفزيونية وأحاديث الخبراء والاستراتيجيين والناشطين السياسيين التى كادت تكتم أنفاس الناس فى «المحروسة». فى صباح اليوم التالى، كان علىَّ أن أعود لمتابعة ما يجرى، كانت وسائل الإعلام ما زالت ملتزمة ب«الصمت الانتخابى»، لكن بعض ما تقرؤه أو تشاهده يرغمك على «التصويت» المبكر (بمعنى «الصراخ») حتى ولو كان الأمر بعيدًا عن السياسة ودروبها الصعبة والملغومة!! فى أخبار الصباح، كان الأهلى والزمالك يخوضان معارك تكسير عظام حول لاعبين نرجو أن لا يكونوا من عيّنة اللاعبين الذين تصارع الناديان عليهم خلال السنوات الماضية، ثم تبيّن أنهم لا يصلحون إلا للعب فى فريق «الأسد المرعب»!! وكان المستشار الكابتن مرتضى منصور رئيس الزمالك، يهاجم كل مَن يعارض قراره المايونى بإلغاء الهبوط والصعود، والاستمرار فى دورى المجموعتين «لماذا لا تكون المجموعات ثلاثًا أو أربع لجان.. ما دام الأمر ببلاش كده؟!» وكانت كرة القدم المصرية موزّعة بين فريقين: واحد يريد اللعب فى إطار «زحمة يا دنيا زحمة».. وواحد يتمسّك بمبدأ «حبّة فوق.. وحبّة تحت»، وهو ما يجعل حسم الأمر مرتبطًا برأى الكابتن «أحمد عدوية».. شفاه الله وأطال بقاءه!! انتهت فترة الصمت الانتخابى.. اليوم تخرج الملايين لتقول رأيها وتختار رئيسها القادم ولتصفع «الإخوان» وحلفاءهم ومَن يدعمونهم، ولتكتب نهاية هذه الصفحة المؤلمة التى عربد فيها الإرهاب على أرض مصر. بعدها.. سنعود لنعمل، ونبنى مصر التى نحلم بها، ونغنّى ونقرأ الشعر ونلعب الكرة، ونستمتع بالصمت «غير الانتخابى» حين نريد. ثورة مصر حدّدت الهدف، وستنتخب اليوم القيادة.. وما يبقى بعد ذلك هو تفاصيل فى كتاب الثورة.