البكاء فى البرلمان... مشهد جديد ودراما جديدة.. بعد سنوات من حكم «ثقل دم» رئاسى ينقل عدواه إلى الجميع. تذكر صديقى مشاهد افتتاح مبارك البرلمان العام الماضى.. ومحاولته أن يصبح كوميديانا على منصة. المحاولة هى التى كانت تضحك، وليس خفة روحه. الديكتاتور بغلظته كان يغلق محابس الهواء.. ويسحب الطاقة من مشاهديه فى الشاشات قبل مشاهديه فى البرلمان والحزب.. وطاولات الاجتماع. كل هذه كانت منصات للديكتاتور.. لا شىء أكثر من ذلك... هناك مؤسسات وطقوس وهيلمانات لكنها لم تكن أكثر من مسارح لاستعراض مفتوح. وهذا ما يثير التفكير فى دراما البكاء.. هل يتصور الإخوان أن هذه المؤسسات مسارح لاستعراض الضحية بعد انتصارها....؟ لماذا تجاهلوا شهداء قتلوا على يد المجلس العسكرى وهم يبكون الضحايا؟ لماذا أرسلوا برقية إلى المشير ومجلسه؟ لماذا يسيرون وكأن شخصا غامضا رسم لهم خطوط السير بالطباشير؟ لماذا استخدموا ماكينات التصفيق الأوتوماتيكية وكأن النواب جمهور ... وليسوا صناع الحدث؟ من حق الإخوان المسلمين أن يشعروا بالفرحة الكبيرة بعد 80 سنة من رحلة السياسة الطويلة.. وما أكتبه ليس تقليلا من انتصارهم فى الانتخابات ولا غضبا من حصولهم على 43٪ من الصناديق. تأثرت باللحظة التى جلس الكتاتنى فيها على مقعد الرئيس.. ومحاولته التأكد أن المقعد موجود.. وأنه لا يحلم.. وأن لا خطأ فى مقاييس المقعد. إنها رحلة مهمة فى تاريخ السياسة المصرية لكنها إلى أين تقودنا؟ رحلة الضباط الأحرار ورغم النبل والفدائية والجسارة ليلة 23 يوليو، قادتنا إلى جمهورية استبداد كاملة الأوصاف... فالنوايا الحسنة ونبل الزعماء يصنع دولا ديمقراطية طيبة... كما أن السير على خطى الحزب الوطنى ووفق طقوسه لا يجعل الإخوان جديرين بملء الفراغ السياسى بعد نظام مبارك. تحلم الثورة بدولة جديدة.. ويصر الإخوان على تطبيق لائحة قديمة.. ويرسلون برقية شكر لمن يجلس على مقعد الحكم.. وأخيرا يحذفون من مطالبهم شهداء قتلوا بأوامر من هؤلاء الذين أرسلوا إليهم الشكر. ماذا يعنى البكاء هنا؟ هل يعنى أن مجلس الشعب سيحاسب السلطة التنفيذية التى قتلت شهداء محمد محمود وقصر العينى وكل من قتل بعد إزاحة مبارك؟ أمس ضحكت مصر عندما أراد نائب سلفى وهو يتلو قسم المجلس فختمه بقوله: «.. بما يخالف شرع الله». النائب السلفى تلعثم. حاول أن يسير على خطى زملاء أضافوا العبارة إلى قسم مجلس الشعب.. لكنه أسقط «لا»... لتخرج الإضافة عكسها فى أول خروج عن النص قاده سلفيون فى استعراض لإعلان الوجود تحت قبة لم يحلموا بالاقتراب منها، وقامت تنظيماتهم فى الأساس على تكفيرها واعتبارها من رموز دولة الكفر. الخطأ لم يكن الكوميديا الوحيدة، طبعا، لكنه كان تعبيرا عن تهتهة ميزت أول مجلس دون أساطين الخبرة والاحتراف بحكم احتكارهم للبرلمانات، وسيطرتهم على طقوسه. السلفيون يعبرون عن تهتهة التوافق بين الديمقراطية ونظرتهم إلى الإسلام، كما أن نوابا من الثورة عبروا عن شعورهم بالمسافة بين النائب والثائر بارتداء وشاح أصفر عليه «لا للمحاكمات العسكرية» والخروج عن النص بعبارات من نوع «..واستكمال أهداف الثورة» أو «...الحفاظ على حق الشهداء».. الأكثر التزاما بالنص كانوا نواب «الحرية والعدالة»، وهذا اتجاه على ما يبدو سيتسع لحزب الإخوان المسلمين، سيكون فيه ملتزما بالنصوص ليعبر عن حالة وسط، تنقذه فيها النصوص. سعد الكتاتنى الذى فاز برئاسة المجلس، رفض الخروج عن اللائحة بعدما طلب منافسه (من حزب الوسط) عصام سلطان أن يتحدث كل مرشح للمنصب، وهو اعتداد بواقعية تقوم على تطبيق النصوص بحذافيرها، فالإخوان أكثر التزاما بنص الإعلان الدستورى أكثر من المجلس العسكرى نفسه، كما أنهم وهم متأكدون من فوز مرشحهم إلا أنهم أصروا على الالتزام بلائحة وضعت فى مجالس تحسم مناصبها، بل وكتلتها الأساسية بالتعيين. لماذا يسير الإخوان على خطوط الطباشير ويتصورون أنهم احتلوا المقاعد التى احتلها الحزب الوطنى.. دون تغيير ولا بناء جديد.. ولا كوميديا تسخر من دولة يستبد فيها الحاكم ويصر على تفجير الكوميديا بتعليقاته ثقيلة الظل.