قد لا نعرف على وجه الدقة إذا ما كان الدكتور عبد الفتاح مورو ملمّا بتاريخ جماعة الإخوان فى مصر أم لا، وهو يدعوها إلى النظر نظرة نقدية فى أوضاعها الحالية ومراجعة مواقفها السياسية، صحيح هو نائب رئيس حركة النهضة التونسية، والنهضة استنساخ للجماعة فى الشمال الإفريقى، لكن دعوته الطيبة فى أغلب الظن ستذهب أدراج الرياح، فالجماعة منذ تأسيسها قبل 86 عاما لم تفكر مطلقا فى مراجعة لأفكارها وسياساتها ومواقفها العامة، وتشبه فى حركتها قطارا يدار بالفحم، يمضى على قضبان حديدية لا يستطيع الخروج منها، رغم تعرضها لمحن وأزمات كثيرة، والمدهش أن قيادات الجماعة تلقى دوما بمزيد من الفحم الفكرى لقطار الجماعة بما يمنع عدم توقفه فى أى محطات واستراحات، لتقطع عليه فكرة المراجعة تماما! والدكتور عبد الفتاح مورو يطلب من الجماعة هذه «المراجعة»، لأنه يتصوَّر أنها وقعت فى «أخطاء» أسقطتها فى بئر المعاناة الحالية. وصعوبة المراجعة أو استحالتها سببها أن الجماعة لا تعترف على الإطلاق بأى خطايا كبرى ارتكبتها، وتعامل نفسها كما لو أنها «معصومة» وقياداتها امتداد لصحابة رسول الله، لا يأتيها الباطل على أى نحو، وأن المصادمات المتكررة مع الدولة المصرية مجرد «بلاء واختبار» من السماء، يمتحن فيها الله قدرة الجماعة على التمسك بالعروة الوثقى، والصبر على المكاره من أجل الدعوة، وتدريب أعضائها على الجهاد فى سبيل الله. فكيف يتسرب شك إلى من يؤمن بأن الله يظلله ويعصمه، فيراجع نفسه؟ ومن يتابع حوارات قيادات الجماعة فى الخارج مع صحف أجنبية، أو تعليقات الأعضاء على صفحات «الفيسبوك» و«تويتر»، ومقالاتهم على المواقع الإلكترونية يدرك أن الجماعة أبعد ما تكون عن هذه المراجعة، بل إنها لا تستطيع أن تفعلها، وأن عليها أن تمضى فى سكتها إلى نهاية الخط، مثل ذلك القطار الفحمى الذى تتبع مساره، فالجماعة لا تنكر الواقع فقط، وإنما «تستبدل» به واقعا معكوسا تعيشه فى مخليتها، واقع تؤازرها فيه السماء، مؤازرة كالتى صنعتها مع الرسول فى غزوة بدر، وأن النصر يلوح فى الأفق، بل إن البعض فى الجماعة لمس هذا النصر ويكاد يمسك به، وأن «الانقلابيين» يلملمون متاعهم فى عجالة ويبحثون عن طريقة للاستسلام الآمن والهروب من المحاسبة المنتظرة لهم، وأن أغلب الشعب المصرى مع شرعية الرئيس محمد مرسى، سادس الخلفاء الراشدين، وهو يخرج فى ثورة شبه يومية على الانقلابيين. فكيف لجماعة هذا هو تصوُّرها عن «الأوضاع» فى مصر أن تراجع نفسها؟ والأخطر أن قيادات الجماعة قطعت طريقة المراجعة قطعا نهائيا، فكيف يفسرون قبول الأمر الواقع لأتباعهم، هل تخلّت السماء عنهم فجأة؟ ألم يكن سيدنا جبريل يصلى معهم فى «رابعة»؟ هل هجرهم فى نصف الطريق؟ وإذا كان ما يفعلونه الآن جهادا فى سبيل الله فكيف يأمرون بالتوقف عنه؟ لقد وضعت قيادات الجماعة «التنظيم والفكرة» على حافة الهاوية، وما زالت تطعم قطارها بالفحم حتى لا يتوقَّف عند أى محطة.