لسبعة أشهر، حتى منتصف رمضان الماضى، عمل رجال «المقاولون العرب» على إعادة خلق ميدان المؤسسة، فى شبرا الخيمة، بكل خنقته وفوضويته، ليحولوه إلى ميدان «محمد على» الحضارى. عادة ما توصف هذه المنطقة، وهى ممر عدة ملايين من بحرى إلى العاصمة، بأنها بؤرة فلتان أمنى وبلطجة، لكن العمل استمر 24 ساعة يوميا، الفنيون على آلاتهم، أو نائمون، والمواد الخام فى كل مكان، دون أن يتعرض إليهم أحد. الصياعة أدب، تذكرت هذه القاعدة المجتمعية.. وأنا أتابع تطورات العمل منذ بدايته، «المقاولون» تسد هنا وتفتح هناك، مرات ومرات، ومن يوصفون بالبلطجية، يمتثلون، ويتحولون معها. الصياعة أدب، قال الآباء: ما تعاكسشى بنت الحتة، ولا بنت ماشية فى حالها، ولا معاها راجل. افعل ما شئت مع الستات، لكن لا تكن سببًا فى تخريب حياة «بنت بنوت». الصياعة أدب، سأل رجال المجلس العرفى قريبا لى، فى الثمانينيات: هل كانت «بتتمايص»؟ أجاب: لأ. هل عملت لك أى إشارة بأنها عاوزاك؟ أجاب: لأ. فخطأه المجلس، واعتذر شقيقه الأكبر، كان مرجعية فى منطقته، رحمه الله، لصاحب الحق عن مغازلة القريب ل«حبيبته»، التى تأتى إليه مرة فى الأسبوع، تدخل وتخرج فى حالها، ودون أن يتعرض إليها أحد. الصياعة أدب، كنا نذاكر، مراهقون مع مراهقات، تلبسن «مقوّر ومدوّر»، فى منازلنا، أو تحت أعمدة الإنارة ليلاً، ومع بشاير النهار نتجه إلى الحقول. لم يشهد مجتمعنا، وقتها، لا هذه الدرجة من التحرش.. والزواج العرفى والاغتصاب، ولا 2 - 3 ملايين «طفل شارع». الصياعة أدب، تُخرج الأم صدرها، أمام منزلها/ فى مواصلة/ وسط مناسبة عامة، وتُرضع وليدها، ثم تنقله إلى الثدى الآخر، قد تغطيه بطرحتها، وقد تتركه للهواء، ولا أتذكر أنى جرأت، ولا أتخيل أن آخرين جرؤوا، على النظر إلى صدرها. الصياعة أدب، كل خميس، يفرش رجال الحتة على «المصطبة»، يشربون البيرة و«قد» يلفون الحشيش. وبالقرب منهم جارات جالسات، براحتهن أحيانا، أمام بيوتهن، أو يمررن أمامهم، وكلٌّ فى حاله. الصياعة أدب، سُرقت محفظتى مرتين فى بداية شبابى، وفى المرتين عادت «البطاقة» عبر صندوق البوستة. فأصول «المهنة»، تُعير النشال الذى يسبب خسائر أخرى لضحيته، غير الفلوس. الصياعة أدب، لم يكن مجتمع ملائكة، لكنه متماسك ومتناغم ومتحضر، ويتطور.. تراجعت هذه القاعدة المجتمعية مع تفشى «مظاهر التدين»، أخونة وسلفنة، بالتوازى مع انقلاب السادات السياسى/ الاقتصادى، وتفاقماته فى عهد مبارك. حين تعطلت شبكة الكهرباء القومية، ربما رمضان 1989، لم تقع سوى 3 حوادث سرقة فى عموم الجمهورية، مقارنة بمجتمعات مثل: فرنسا وكندا وأمريكا، شهدت موجات من السرقات والنهب فى حوادث مماثلة، رغم فروق مستويات المعيشة.. وفرص التحضر، فى أمريكا.. تفاقمت إلى حد اغتصاب جثث ضحايا إعصار «ساندى». ماذا لو غاب دولاب الدولة فى كل منها، لسنوات، وتواطأت الشرطة؟ مؤكد كنا سنرى تنويعات على «البوسنة والهرسك».. على هذا تقاس الأمور. الصياعة أدب، رأينا تجليات منها حين رفضت فئات مصرية استغلال غياب الشرطة، بعد 25 يناير، لمدة 3 سنوات، رغم «طحن» المجتمع لها لعقود. رأيناه فى تقدم بعضهم مواجهات السنة الأولى من ثورة يناير، طالبين من اللى «شكله متعلم» أن يتراجع.. «لأنه ممكن يفيد البلد». رأيناه فى تواصل الحياة، وتدبيرها، رغم تكاسل/ تواطؤ قطاعات كاملة من دولاب الدولة. رأيناه.. فى «تحضر بلطجية شبرا الخيمة».