فى كتابه عن مأساة الحرب فى لبنان نقل روبرت فيسك شهادة امرأة ناجية من مذبحة قانا، عام 1996، تدعى فوزية سعد، قالت «كان هناك رجل ملقى على الأرض، وقد انشط قطعتين، وكانت هناك امرأة حامل استطعت أن أرى ذراع ابنها وقدمه ناتئتين من بطنها، وكان هناك أيضا رجل انغرست شظية فى رأسه، لم يكن ميتا، لكن كنت تستطيع أن ترى قطعة معدنية فى رقبته، كما لو كان قد حز عنقه، طلب من ابنته أن تجىء وتساعده على النهوض، وسمعتها تجيبه قائلة، انتظر لحظة، أحاول، إن أخى انشط قطعتين، وكان هناك شقيق لها يحمل طفلا بين ذراعيه، كان الطفل بلا رأس». هذا النص الملخص لمستوى غارق فى الانحطاط البشرى، تبعته شهادة مغايرة لرقيب فى الجيش الإسرائيلى، تورط فى قصف اللاجئين فى قانا، قال لأسبوعية «كول ها إير» «إنها الحرب، وفى الحرب تحدث هذه الأمور، إنهم مجموعة من العرب، فما بالك متأثرا لهذا الحد». وفى فيديو حملته تغريدة لأصولية إنجليزية فى صفوف داعش، تدعى خديجة، أعقبت ذبح الصحفى الأمريكى جيمس فولى قالت: «هل هناك أى روابط لفيديو إعدام الصحفى الأمريكى جيمس فولى؟ الله أكبر. بريطانيا ترتجف خوفا الآن، وأنا أريد أن أكون المرأة البريطانية الأولى التى تقتل إرهابيا، أمريكيا أو بريطانيا». وفى تغريدة لاحقة أيضا لتكفيرى سورى، قدم وصفا تفصيليا لتعليم الأطفال الذبح، عبر دمية ارتدت زيا برتقاليا، يشبه الزي الذى ارتداه فولى قبيل لحظات من جز رأسه، معتبرا أنه يقدم دليلا إرشاديا لقطع رؤوس الكفرة، وهى خطوة هامة لتقوية قلب الأطفال، وفتح أفقهم على ما يعتبره جهادا. فولى تكاد بريطانيا تعرف اسم قاتله، والمتهم الأول الآن هو مغنى راب مصرى الأصل، ابن لتكفيرى سابق، يدعى عبد الماجد عبد البارى، قال فى أغنية له بثتها هيئة الإذاعة البريطانية «أحاول تغيير طريقى لكن على يدى الكثير من الدماء. لا أستطيع التفريق بين الملائكة والشياطين. ليست لدى مشاعر طبيعية». ما الذى يجمع بين هؤلاء جميعا؟! فكرة يعقبها فعل بربرى، تجمل الطريق للوحشية، ولا نزال نحن على الضفة الأخرى، نتعجب من جرأة هؤلاء على إسالة الدماء، الرقيب الإسرائيلى يقف على تراث دينى وثقافى ودعائى واجتماعى هائل، يجعل منه بطلا مغوارا يدافع عن حق وطنه فى العيش، ومن ثم لا مجال للإنسانية، فهو ابن لدولة دينية، صورت له أن صراعه صفرى، لا وجود لطرف فيه إلا بالقضاء على الآخر، وإذا تكاسلت عن قتل طفل فسيكبر الطفل، ويقتلك غدا، أو يفجر نفسه فى أولادك. الداعشى، يقف هو الآخر على تراث، وأفكار تحول اسمه من إرهابى إلى مجاهد، وتبرر وحشيته بأنه يتصدى، لمؤامرة كونية على دينه، وجز الرأس ما هو إلا أداة لبث الرعب، كى ينهزم أعداؤه نفسيا، ويتركون تنظيمه يفتح بلادهم، فيعم حكم الخلافة، وينقى الأرض من الطواغيت، وينتطر ما يعتبره حكما للإسلام، وإذا مات فجائزته، سينالها قبل أن تجف دماؤه، جنسا ونعيما، وحياة بلا إحباط. الأصل هى الفكرة، هى ذاتها التى دفعت هتلر إلى التسبب فى قتل 82 مليون إنسان، وحرق الملايين، وهى ذاتها التى دفعت الخوارج والقرامطة لسفك الدماء. وبين الفكرة والموت، عوامل تحفيز، كاستغلال الظلم، وتبرير رده بظلم مواز، مثلما يعتمد منطق البعثيين الآن فى التحالف مع داعش، أو بعض القوى السياسية بالتحالف مع تكفيريين من أجل إزاحة خصم مستبد. الفكرة، هى الجذر، والذبح هو المنتج، ولن يتوقف خط إنتاج الموت، إلا بتفكيك دعائمه، وتسمية الجرائم بمسياتها الأولى.