فشلت جهود وقف إطلاق النار المرة تلو الأخرى لننام ونصحو على مجازر جديدة ترتكبها إسرائيل فى حقّ الشعب الفلسطينى داخل قطاع غزة. سقط أكثر من 2000 شهيد، وهناك 250٫000 فلسطينى يعيشون فى العراء، فى وضع ينذر بانفجار قد يطول دول الجوار مع اقتراب موسم الشتاء، وعدم وصول الإمدادات المعيشية اللازمة لمن تم تدمير منازلهم. إن استمرّ القصف الإسرائيلى الممنهج لشهر قادم سيكون هناك ما يقرب من نصف سكان القطاع يعيشون فى الخلاء، أما وقد فشلت الجهود الدبلوماسية فى وقف حمام الدم، فالحلول الاقتصادية ربما تكون أكثر فعالية فى الضغط على إسرائيل. هناك سلاح المقاطعة وسحب الاستثمارات وعقاب الشركات التى تتعامل مع الاستعمار. إزاء تباطؤ المجتمع الدولى فى إيجاد حلول فعَّالة لوقف الاستيطان فى الأراضى الفلسطينية المحتلة توصلت مجموعة من المجتمع المدنى الفلسطينى إلى حل فعَّال عام 2005 وهو «مقاطعة وسحب الاستثمارات والعقاب للشركات التى تتعامل مع الكيان الصهيونى». استلهم الموقّعون على البيان التأسيسى للحركة إجراءات مشابهة كانت قد تمت ضد نظام «الأبارتهايد» (التفريق العنصرى) فى جنوب إفريقيا حتى سقط هذا النظام، وقد وضعوا ثلاثة أهداف واضحة تستمر هذه الإجراءات العقابية السلمية حتى تتحقق وهى : 1- إنهاء احتلالها واستعمارها لكل الأراضى العربية وتفكيك الجدار. 2- الاعتراف بالحق الأساسى بالمساواة الكاملة لمواطنيها العرب الفلسطينيين. 3- احترام وحماية ودعم حقوق اللاجئين الفلسطينيين فى العودة إلى ديارهم واستعادة ممتلكاتهم، كما هو منصوص عليه فى قرار الأممالمتحدة رقم 194. انتشرت منذ أحداث الانتفاضة الثانية دعوات المقاطعة للمنتجات الإسرائيلية أو للشركات التى تقوم بتمويل إسرائيل، لكنها لم تكن تتعدَّى المقاطعة الفردية، وقد استُغلت بشكل خاطئ فى بعض الأحيان للإضرار المتعمّد من الشركات المنافسة عن طريق إقحام أسماء لشركات داخل قوائم المنتجات المقاطعة دون أى دليل على تعاونها مع إسرائيل، لكن المبادرة التى انطلقت عام 2005 حدّثت من الآليات المُستخدمة، فقد استوعب مؤسسوها مبكرا أن الهدف من المقاطعة هو تحقيق النجاح لا المقاطعة من أجل المقاطعة! تنقسم الخطوات التصعيدية كالآتى: 1- المقاطعة: عن طريق استهداف منتجات وشركات إسرائيلية ودولية تتربّح من انتهاك حقوق الفلسطينيين (شركات المعدات الثقيلة التى تهدم منازل الفلسطينيين وتقوم ببناء مستوطنات جديدة على سبيل المثال)، بالإضافة إلى مقاطعة النوادى الرياضية الإسرائيلية والمراكز الثقافية والأكاديمية التى تسهم بشكل أو بآخر فى تلميع صورة الكيان الصهيونى. 2- سحب الاستثمارات: التأكد أن صناديق الاستثمار الدولية لا تسهم فى تمويل الشركات المتواطئة مع إسرائيل. 3- العقاب: تعليق عضوية إسرائيل فى المحافل الدولية الدبلوماسية والاقتصادية. وسرعان ما قامت حكومات بتبنّى سلاح المقاطعة، فقد أعلنت حكومة النرويج مؤخرا عن قرارها بوقف تمويل اثنتين من كبرى الشركات الإسرائيلية، كذلك أوقفت شيلى اتفاقية التجارة الحرة مع إسرائيل. وانضم اتحاد طلاب بريطانيا ومقاطعة أونتاريو فى كندا واتحاد طلاب بلجيكا إلى الحملة، كما قام مؤسس «مايكروسوفت»، بيل جيتس، ببيع حصته فى شركة للأمن تقوم بالتعاون مع منظومة السجون وجيش الدفاع الإسرائيليين. وقد أعلنت الحكومة الإسرائيلية العام الماضى عن خسارة قدرها 30 مليون دولار بالقطاع الزراعى نتيجة للحملة. هناك شركتان من كبرى شركات المقاولات الفرنسية كانت قد شاركت فى بناء خط قطار يربط المستوطنات بباقى إسرائيل، لكن تحت الضغوط التى قام بها أعضاء الحملة اضطُرت المؤسسات المالية الأوروبية لبيع حصصها داخل الشركتين، ما دفعهما بدورهما إلى بيع حصتهما داخل مشروع خط القطار. وانضم لفيف من الشخصيات العامة فى جميع أنحاء العالم لحركة المقاطعة. بعضهم يعلن عن موقفه، لكن أغلبهم يتبعون ما يسمى «المقاطعة الصامتة»، كى لا يتعرضوا لمضايقات من اللوبى الصهيونى واتهامات جاهزة داخل الأدراج من نوعية «معاداة السامية»! فهناك على سبيل المثال موسيقيون كثيرون من أوروبا يرفضون إقامة حفلات فى إسرائيل، متعللين بأعذار واهية ليتفادوا انتقادات الآلة الإعلامية الجبارة. وهناك العالم البريطانى الكبير، ستيفين هوكينج، الذى رفض المحاضرة فى مؤتمر أُقيم تحت رعاية شيمون بيريز تحت ضغط أعضاء الحملة، وأيضا تحت ضغوط من المفكر اليهودى الكبير ناعوم تشومسكى، وقد أوضح هوكينج لاحقا أنه كان قد عقد النية فى حال مشاركته أن يصارح الحضور «أن سياسة إسرائيل الحالية ستؤدى حتما إلى كارثة». إن مصير إسرائيل لن يختلف فى أحسن الأحوال عن مصير نظام التمييز العنصرى فى جنوب إفريقيا، لكننا ماذا نحن فاعلون فى مصر لنُسهِم سلميا فى التغيير؟ وهذا أضعف الإيمان.