بعد مرور عام على هروب زين العابدين بن على من تونس، ونجاح ثورتهم الرائدة فى التخلص من الطاغية، وبداية سعيهم الدؤوب نحو طريق الحرية والديمقراطية، خرج التونسيون إلى شارع الحبيب بورقيبة مرة أخرى، من أجل التعبير عن إصرارهم على استكمال تحقيق أهداف ثورتهم الملهمة، ومن ضمن شعاراتهم التى رفعوها عاليا، كان هذا الشعار الرمز «أوفياء لدماء الشهداء». فهذا هو واجبنا الإنسانى جميعا، سواء فى تونس، أو فى مصر، ولن نكون أوفياء حقًّا لشهدائنا الأبرار إلا بتحقيق جميع أهداف ثورتنا العظيمة، فحتى لا تضيع دماؤهم الذكية سُدَى، لا بد أن نحقق لشعبنا الأبىّ عيشا كريما، ونتيح له أن يتمتع كغيره من شعوب العالم الحر بشتى معانى الحريات العامة، وينعم بمختلف أشكال العدالة الاجتماعية، ولا بد أن يسود القانون العام فوق جميع الرؤوس. أؤمن بأن لثورتنا النبيلة ربًّا يحميها، من أول لحظة، وحتى النهاية إن شاء الله، كما أؤمن بأن لثورتنا المجيدة ثوارا أحرارا أبطالا بالملايين مستعدين للتضحية بدمائهم من أجل تحقيق أهداف ثورتنا العظيمة. فبعد مرور عام على الثورة صاحبة شعار «الشعب يريد إسقاط النظام»، ها هو نظام مبارك الساقط، ما زال يحكمنا بنفس الغباء! مما أصاب الكثير منّا باليأس والقنوط والإحباط، ولكننى ضد هذه المشاعر المثبّطة للهمم، فمَن كان يتصور أننا سنُسِقط نظام حكم عسكرى استمر يحكمنا لستة عقود، فى خلال ثمانية عشر يوما، فهو بالتأكيد لا يدرك طبيعة أمور الحكم، فالثورة، أىُّ ثورة فى تاريخ العالم كله، لا تحقق أهدافها فى تغيير نظام الحكم، وتغيير بنية المجتمع خلال بضعة أيام، ولا فى بضعة أشهر، وإنما عمليات التغيير تستلزم سنوات، فهكذا تتم التحولات الكبرى فى بنية المجتمعات، وفى إعادة هيكلة نظم الحكم، من حكم فردى استبدادى فاسد، إلى حكم ديمقراطى قائم على دولة القانون والمؤسسات الدستورية. ومن ثَم فلا بد أن ندرك جميعا أن الأمر سيستغرق منا بعض الوقت، فلا داعى لتفشى المشاعر السلبية بين جموع الناس، والحديث المتكرر عن فشل الثورة فى تحقيق أهدافها، وغير ذلك من كلام ساد بيننا طويلا، إذ إن المهم الآن هو الحديث عن طرق البدايات الصحيحة لعمليات التغيير الشامل فى منظومة الاستبداد والفساد التى عشنا فيها على مدى عقود متتالية. صحيح علينا أن نغضب من أجل الوقت الذى ضاع بسبب تصرفات المجلس العسكرى، نعم علينا أن نغضب لتبديد وقت المجتمع وطاقته، ولكن لا يصح أبدا أن نيأس أو نُحبَط، فالمجلس العسكرى راحل عن سدة الحكم، راحل لا محالة، وكل من ارتكب جرائم فى حق شعبنا الصبور، يجب أن يُقدَّم إلى محاكمة عادلة. وفى النهاية سيبنى المصريون الأحرار بلدهم الجديدة على أسس مدنية حديثة وديمقراطية، بغض النظر عمن نجح، ومن سقط فى الانتخابات البرلمانية، فمصر العريقة ستبزغ من جديد، وقيمنا الحضارية الراقية ستنتصر على كل دعاوى الرجعية والتخلف.