توارثت أجيال عديدة أفكارا مركزية للتكفير، بزغت كنتاج لتعاطٍ خاطئ، لفقهاء قدامى مع النص الدينى، واحد من أشهر جامعى أفكار التكفير، وصائغيها، ناقد مهزوم فى دنيا الأدب بل الحياة عموما، هو سيد قطب، دونها فى كتابه «معالم فى الطريق»؛ وهذه الأفكار مثل «الحاكمية»، «والطليعة المؤمنة»، «التعالى بالإيمان»، «حتمية قتال الطاغوت»، كانت سندا دينيا فى ما بعد لتنظيمات قتل تضم شبابا محبطا. وعلى تراث قطب، أضاف آخرون أسفارا تعزز من التكفير، بل تدرجت فى مستوياته واختلفت فى تبريره، هل هو لمجرد المعصية؟ وهل يشترك المجتمع فى الكفر أم يقتصر على الحكام؟ أم يخرج من الملة من لا ينضم إلى جماعة بعينها؟ تنوعت السطور والأسماء، من محمد عبد السلام فرج، لعمر عبد الرحمن، وانسحبت أسس التكفير لتنغرس فى العقول عبر خطب ونصوص، ومواد مسموعة. لكن التحول الأخطر فى أسفار القتل كان مع خلط التكفير بالعسكرة، فدوّن منظرو الإرهاب استراتيجيات تخطط لدماء مستقبلية، وتربط بين الجماعات المتفرقة عابرة الحدود، بل تدمج بين نظريات الحرب الأكاديمية وأبعاد عقائدية تريح القلب بعد الذبح، وتشحذ الوجدان للبربرية. وهنا ظهرت نصوص جحيمية أكثر تطورا «كالعمدة فى إعداد العدة» لسيد إمام أو موسوعة الجهاد للمجاهدين فى أفغانستان، أو كتابات التكفيرى أبو عبيدة وغيره. من طبعات الجحيم الخالطة بين التكفير والعسكرة، نص لتكفيرى يحمل اسما كوديا هو أبو بكر ناجى، وتشير بعض التقديرات إلى أنه المصرى سيف العدل، القائد الشهير بتنظيم القاعدة، والبعض الآخر يؤكد أنه المصرى محمد الحكايمة، لكن آراء تقول إنه شخصية وهمية، الكتاب معنون «بإدارة التوحش» ولخطورة النص عممته معظم أجهزة الاستخبارات كمرشد لفهم القتل الأصولى. يركز النص على ثلاثة استراتيجيات متدرجة؛ هى «النكاية والشوكة»، وهى ممارسة أكبر قدر من الرعب والتخويف والقتل فى مناطق يعتبرها التكفيريون تحت حكم الطغاة، ووفق قاعدة فى الفقه الجهادى ترى فى هدم البادية والحضر خير من وقوع الأرض تحت سيطرة من يعتبرونه طاغوتا، فيتم حرق الأخضر واليابس، وتتنوع طرق الاستنزاف، وتفتح جبهات متنوعة، لتستنزف جهود الجيوش، وتزيد تكلفة المواجهة، وإذا سيطرت على منطقة، تحولت إلى المرحلة الثانية وهى «إدارة التوحش» وتعنى السيطرة على منطقة وفرض حكم التكفيريين فيها، من تعليم وقضاء وسيطرة على موارد مثلما يجرى فى الموصل، ثم جعلها منطلقا «لنكاية» منطقة أخرى، حتى تدين كل المناطق وعندئذ تبدأ دولة التمكين. ولكى تتم استراتيجية «إدارة التوحش» يتطلب الأمر فوضى، ومن ثم تناسب الأماكن التى شهدت للتو، زوالا لحكم لم يملأ فراغه بديل بعد، وبالتالى فمناطق الربيع العربى، ومن قبلها العراق الخارجة من الاحتلال أماكن نموذجية للتطبيق. والخطورة الإضافية للنص السابق لم تعد فقط فى تبنى التكفيريين القدامى سطور «إدارة التوحش»، بل فى صعود واضح فى خطاب التكفير لبعض شباب الإخوان فى مصر، وتماسّ ظاهر مع فوضى «داعش» و«أنصار بيت المقدس»، والنظر إليهما بعين التشجيع، فظهرت تصريحات مؤيدة للدواعش من داخل الإخوان، كالقيادى أحمد المغير، وعبد الرحمن عز، وغيرهما، بل تلمحه فى مواقع التواصل الاجتماعى، أو بيانات التحريض المنشورة على صفحاتهم. وبينما لا تزال نزعة التكفير خجولة داخل الجماعة فإن صراع الإخوان مع الدولة المصرية اتخذ ملامح استراتيجية النكاية الداعشية.