يرحب السلفيون بالغناء ولكن دون استخدام آلات موسيقية، وهذا هو ما أكده الزميل أحمد الريدى فى الخبر الذى نشره قبل يومين على صفحات جريدة «التحرير». فى إطار احتفالهم بثورة 25 يناير طلبوا من رامى جمال وعزيز الشافعى تقديم أغنيتهما «يا بلادى».. وافق المطربان من حيث المبدأ على الغناء دون موسيقى إلا أنهما رفضا فقط غناء «يا بلادى» التى كانت هى أغنية الثورة خصوصا أن السلفيين لديهم أيضا تحفظات على مقاطع عديدة فى كلمات الأغنية تتعارض من وجهة نظرهم مع صحيح الدين. والواقع أن مثل هذه المطالب ليس جديدا على حياتنا الفنية والثقافية، ودار الأوبرا المصرية على سبيل المثال كثيرا ما اضطُرت خلال السنوات الأخيرة إلى تغيير كلمات عدد من الأغانى التراثية خوفا من تأويلها دينيا، والحقيقة أن أغلب أغانينا معرض فى حالة خضوعه للمرجعية الدينية لمواجهة نفس المصير! رامى وعزيز من حيث المبدأ يوافقان على تقديم أغانٍ بلا موسيقى، وذكرا أن محمد فوزى سبق أن فعلها فى أغنية قديمة له هى «كلمنى طمنى» التى كتبها حسين السيد، والواقع أن الخلط بين الأمرين يدل على أن أخطر ما يواجه الحالة الفنية فى مصر بعد سيطرة الإخوان والسلفيين على مجلس الشعب والحكومة القادمة هو أن الوسط الفنى والثقافى يبدو أنه غير مؤهل للدفاع عن وجهة نظره! محمد فوزى مثلا لم يخضع لرغبة دينية حالت بينه وبين استخدام الموسيقى.. هذا اللحن له قصة مختلقة وأخرى حقيقة، وفى النهاية لا علاقة للقصتين بتحريم الموسيقى. الأولى المختلقة هى أن الفرقة الموسيقية التى كانت تستعد لتسجيل الأغنية طلبت أجرا مبالغا فيه من فوزى ولم يستطع أن يلبى طلبها فانسحبوا فقرر أن يلقنهم درسا فسجل الأغنية فى نفس اللحظة مستعينا بأصوات الكورال بديلا عن الآلات الموسيقية، وهى حكاية وجدت رواجا عند العديد من الموسيقيين رغم أنها من المؤكد تجافى الحقيقة التى من المفترض أن يعلمها الموسيقيون وهى أن فوزى صنع بناء موسيقيا من أفراد الكورال قائما على تباين وخصوصية أصواتهم، وهذا البناء يحتاج إلى دراسة وإلى العديد من البروفات حتى يصل إلى الشكل النهائى الذى سجل به الأغنية، وهو بالتأكيد ما فعله فوزى فى تلك الأغنية التى تُعتبر حالة استثنائية فى تاريخ الغناء، ولكن الأمر ليس له علاقة بتحريم أو إباحة الموسيقى. الخطورة ليست فى تقديم تجربة للغناء بلا موسيقى، ولكن مكمن الخطر فى تحريم الموسيقى استنادا إلى مرجعية دينية متزمتة، وعندما يقدم موسيقىّ مثل عزيز الشافعى أو رامى جمال أغنيات على مقاس التيار السلفى، هنا يجب أن نتوقف لنرى الخطر القادم إلى مصر وكيف أنه سوف يؤدى بنا إلى كوارث. لا أخشى فى الحقيقة من قوة التيار الدينى وقدرته على جذب مؤيدين وتابعين، ولكن ما أخشاه هو أن الفنان المصرى لا يدرى أن عليه أن يدرك تفاصيل المعركة القادمة بعد أن يحرموا الموسيقى ويقدمون أغانى طبقا لشروطهم سوف يسير ذلك بالتوازى أيضا مع أعمال درامية تخضع لنفس رؤية التيار الإسلامى فى التحريم. الخطورة التى أراها جديرة بالاهتمام أن نسعى للجمهور الذى يعتقد أن الموسيقى حرام لكى يدرك أن هؤلاء الذين يحرمون الموسيقى هم الذين يكرهون الحياة بينما الدين يصالح الناس على الدنيا. النظرة إلى الفن باعتباره معركة على المايوه والقُبلة والعُرى والموسيقى أراها ترخص تماما القضية، فلا يمكن أن نلخص الفن فى التصريح بقبلة أو منعها ولكن ينبغى أن يصبح المؤشر فى أسلوب التقييم. نحن ندافع عن الفن والحرية التى لا تعنى الفوضى أو الإباحية ولا يمكن أن يصبح الفن فى تحطيم المقدس ولا فى انتهاك قيمة أخلاقية أو دينية. القضية أن الفن رغم أنه فى عمقه لا يتعارض مع كل القيم النبيلة فإنه لا يقيَّم بهذا المؤشر الدينى أو الأخلاقى. عندما يسألونى هل تخشى من قوة التيار الدينى وسيطرته على الفن كانت ولا تزال إجابتى أن خوفى من الوسط الفنى الذى لا يدرك كيف يدافع عن الإبداع، وفى لحظات من الممكن أن يضرب تعظيم سلام للتيار الدينى!