ببطء لكن بثبات. إنها خطوات المحكمة الدستورية العليا التى فاجأتنا أمس بما يثلج صدر العدل ويصدم المجلس العسكرى والحكومة. المحكمة انتهت أمس إلى عدم مطابقة 4 مواد من مشروع تعديل قانون انتخابات الرئاسة المقدم من الحكومة لأحكام الإعلان الدستورى الصادر فى 30 مارس 2011، لعدة أسباب منها أن التعديلات تتعارض مع مواد أخرى فى القانون الأصلى لم يتم تعديلها رغم أن الإبقاء عليها يجعلها تتطابق مع دستور 1971 المعطل، وتخالف الإعلان الدستورى، ومن ثم تجب مراجعة القانون بالكامل لا مشروع تعديله فقط. وقررت المحكمة فى جلستها المنعقدة أمس برئاسة المستشار فاروق سلطان، أن المواد (5 و11 و33) المستبدل بها بالمادة الأولى من المشروع المعروض، والمادة الثالثة فى ما تضمنته من إلغاء المادة (18) من القانون رقم 174 لسنة 2005 بتنظيم الانتخابات الرئاسية، غير مطابقة لأحكام الإعلان الدستورى، ومن المنتظر أن تقوم المحكمة الدستورية بتعديل المواد اللازمة ثم ترسل المشروع كاملا إلى المجلس العسكرى ليصدر به مرسوم بقانون. وفسرت المحكمة الدستورية أن «اختصاص المحكمة الدستورية العليا بالرقابة السابقة على مشروع المرسوم بقانون المعروض يستند إلى نص المادة (28) من الإعلان الدستورى الصادر فى 2011، وأن هذه الرقابة وإن كانت تقف عند حد التأكد من مطابقة نصوص المرسوم المعروض لأحكام الإعلان الدستورى المشار إليه، باعتباره أن الإعلان الدستورى هو الوثيقة الدستورية التى تحكم البلاد بعد تعطيل العمل بأحكام دستور عام 1971، إلا أن هذه الرقابة كان من الممكن أن تكون أكثر فاعلية لو وردت على مشروع مرسوم بقانون يعيد تنظيم الانتخابات الرئاسية برمتها فى ضوء الأحكام المنصوص عليها فى الإعلان بما فيها نص المادة (28) منه، أى أن المحكمة الدستورية كانت تفضل إضافة التعديلات الجديدة إلى قانون 2005، ويعرض عليها مشروع قانون كامل لتنظر فى مدى دستورية جميع مواده، ليكون هناك قانون متكامل، لا مجرد عدة مواد تنظرها، وقد يتعارض بعضها مع مواد أخرى فى القانون لم يتم تعديلها». واستندت المحكمة إلى أن المرسوم بقانون المعروض عليها حين عالج تنظيم الانتخابات الرئاسية على نحو جزئى شابته عيوب عديدة منها ما نصت عليه المادة (10) من القانون رقم 174 لسنة 2005، التى لم يتم تعديلها فى المشروع الجديد وتنص على أن «يحدد ميعاد بدء إجراءات انتخابات رئيس الجمهورية ويوم الانتخاب ويوم الإعادة بقرار من لجنة الانتخابات الرئاسية، وذلك بمراعاة المواعيد المنصوص عليها فى الدستور». وأوضحت أن الدستور المقصود فى نص هذه المادة هو الدستور الصادر عام 1971، والذى عطل العمل بأحكامه بموجب الإعلان الدستورى، وكان يقتضى الأمر تعديل هذه المادة على نحو مختلف أو إلغاء عبارة «وذلك بمراعاة المواعيد المنصوص عليها فى الدستور» منها. وذكرت المحكمة الدستورية أنه فى ضوء ذلك ومراجعة القانون كله، فقد تبين لها أن المادة (5) المستبدلة بالمادة الأولى من المشروع وتضمنت تشكيل لجنة الانتخابات الرئاسية، وعقدت رئاستها لرئيس المحكمة الدستورية العليا، وعضوية كل من: رئيس محكمة استئناف القاهرة، وأقدم نواب رئيس المحكمة الدستورية العليا، وأقدم نواب رئيس محكمة النقض، وأقدم نواب رئيس مجلس الدولة، ونصت على أنه فى حالة وجود مانع لدى رئيس اللجنة يحل محله من يليه فى تشكيلها، والتالى فى تشكيل اللجنة -وفقا للمشروع- بعد رئيسها هو رئيس محكمة استئناف القاهرة، والنص على هذا النحو يخالف نص المادة (28) من الإعلان الدستورى، والذى أفصح عن أن رئاسة اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية منوطة برئيس المحكمة الدستورية العليا بصفته هذه، للاعتبارات التى قدرها، وبناء عليه فإن صفة رئيس المحكمة الدستورية العليا -عند وجود مانع لديه- تنتقل إلى الأقدم من نوابه، فيحل محله طبقا لنص المادة (3) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979. وأوضحت المحكمة أن هذا النص أعطى لوزير العدل -وهو أحد أعضاء السلطة التنفيذية- حق إصدار قرار بالضوابط التى تتبعها مكاتب التوثيق لدى إثباتها صحة توقيعات المؤيدين للمرشح من الناخبين، فإنه يكون بذلك قد خالف حكم المادة (28) من الإعلان الدستورى، الذى خص لجنة الانتخابات الرئاسية بمهمة الإشراف على هذه الانتخابات بجميع مراحلها بدءا من الترشح وحتى إعلان النتيجة. وقالت المحكمة إن المادة الثالثة من المشروع المعروض نصت على إلغاء بعض مواد القانون رقم 174 لسنة 2005، وورد من بينها نص المادة (18) من ذلك القانون، والتى تنظم حالة خلو مكان أحد المرشحين لأى سبب غير التنازل عن الترشيح، وإلغاء هذا النص على إطلاقه يشوبه عدم الدستورية، إذ قد يخلو مكان مرشح لأحد الأحزاب بسبب قوة قاهرة كالوفاة مثلا، ففى هذه الحالة يحرم ذلك الحزب -وقد يكون ممثلا لأغلبية شعبية- من ترشيح آخر لسبب لا دخل له فيه، الأمر الذى يتصادم وحكم المواد (1 و3 و27) من الإعلان الدستورى التى تنص أولاها على أن جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطى يقوم على أساس المواطنة، وتقرر ثانيتها أن السيادة للشعب وأنه وحده مصدر السلطات، وتقضى ثالثتها بأحقية الحزب كشخص اعتبارى فى ترشيح أحد أعضائه لرئاسة الجمهورية.