رواية «أفراح القبة» رواية أصوات متعددة، إذ يتحدث فيها أربعة أصوات: طارق رمضان، وكرم يونس، وحليمة الكبش، وعباس كرم يونس. وتثير الرواية بطريقة فنية مجموعة من القضايا المهمة، منها علاقة الفن بالواقع، ودور الأم فى حياة كل إنسان، فثمة بيئة لها تأثيرها، وجينات أو صفات شخصية، تؤثر على حياة كل فرد منا، كما تتناول الرواية علاقة الأب والابن فى مرحلة الطفولة، وما بعدها، ثم تسير إلى فكرة قتل الأب على المستوى السيكولوجى. وأذكر فى أحد حوارتنا مع الأستاذ أن جاء ذكر «ألف ليلة وليلة»، فسألته عنها، فمدحها أشد المدح كمصدر للحكايات الشعبية على مر العصور، وقد تأثر بها أدباء الشرق والغرب على السواء. والحقيقة أننى قرأتها صغيرا، فلم تفتنِّى على الإطلاق، ثم قرأتها مرة أخرى فى مرحلة تالية، لكن رأيى فيها لم يتغير كثيرا! فهذه حكايات خرافية مقدمة بتشويق لمن يريد أن يتسلى بالحكايات الشعبية والأساطير الخرافية، وإن كانت لا تخلو من فن ودراما وحبكة قصصية. أما عمل محفوظ الخالد «ليالى ألف ليلة»، فهو قمة من قمم الإبداع الأدبى على مستوى العالم أجمع، وهو لا يقارن به من وجهة نظرى العمل الأصلى «ألف ليلة وليلة»، لأنه أكثر إحكاما وفنا ورؤية وجمالا وحكمة، ولأنه يستخدم بطريقة رائعة فن الحكى والأسطورة، من أجل أغراض فلسفية وصوفية عميقة. سبع عشرة قصة صوفية بديعة، اجتمعت معا فى هذا العمل الدرامى المدهش، حيث ينطلق الخيال بعبقرية عجيبة، من خلال هندسة فنية محكمة تسيطر على العمل كله، وشخصيات كثيرة مرسومة بدقة وواقعية، ومن ثم تتجلى جوانب الرؤية الصوفية الكلية فى كل حكاية من حكاياتها الجذابة. أما «الباقى من الزمن ساعة» فرواية أجيال، ويمكن أن نقارنها بالثلاثية، لكن الفروق بينهما مدهشة، لعل أهمها هو هذا الإيقاع السريع الذى أخذ يكتب به محفوظ أعماله عقدا بعد آخر، وقد قلت له هذه الملاحظة، فوافقنى وأضاف أن الكاتب يتماشى فى كتابته مع روح عصره. فهكذا كان يضع الأستاذ يده على نبض شعبه، ويعبر عن عذاباته بصدق، كما يعبر عن روحه بإخلاص. ويمكننا أن نرى من خلال فن الرواية حياة كاملة، وما الحياة إلا رحلة طويلة كانت أو قصيرة، وثمة رحلات رائعة فى شتى البلاد، وبين مختلف نظم الحكم، والأوضاع الاجتماعية، والمناهج الاقتصادية، والمذاهب الفكرية، والعقائد الدينية، والفلسفات الوضعية، إنها رواية «رحلة ابن فطومة»، أو رحلة « قنديل محمد العنابى»، أو رحلة نجيب محفوظ (ابن فاطمة)! وقد قلت للأستاذ: إن «رحلة ابن فطومة» تعبر عن نزعة إسلامية واضحة للغاية، بخلاف بعض أعمالك الأخرى! فابتسم لى، ولم يعلق! وعندما كررت عباراتى فى صيغة سؤال، قال لى: أنت وما ترى.