كنت أستعد لمشاهدة مباراة الديربى الإيطالى بين إيه سى ميلان وإنتر ميلان، وجلستُ قبل المباراة بساعة أتابع التشكيل والأجواء، بينما كان ابنى الصغير عُمَر يقترب منى وهو مشجع وفىّ لنادى روما. ويسألنى عمر عن توقعاتى للمباراة وأشاركه الحديث حول بعض الأمور الصغيرة التى تناسب سنه، ليصدمنى بكلمة غريبة لم أكن أتوقعها، يقول لى ولدى الصغير إنه سيشاهد المباراة لأن خافيير زانيتّى لاعب إنتر ميلان بالنسبة إليه أحسن لاعب فى العالم، وأسباب اختياره لزانيتّى فنّدها لى بأنه فى ال38 من عمره، ولا يزال سريعا ومهاريًّا وقويا، بل وقائد له هيبته واحترامه فى أرض الملعب. وسكت لوقت. أنا سعيد لأن ابنى أصبح يتابع كرة القدم من زاوية الثقافة الكروية المطلوبة، وفى نفس الوقت زانيتى. أدلمير خافيير زانيتى من مواليد عام 1973. حضر إلى إيطاليا فى 1994 مشاركا مع إنتر ميلان، وحتى هذه اللحظة لم يطأ ظهره دكة بدلاء النيراتزورى إلا فى مباريات معدودة على الأصابع. وسألت أصدقائى المقيمين فى أوروبا عن ظاهرة زانيتّى الذى إن غاب عن الإنتر تأثر الفريق بشدة فأجابونى، هو لاعب لا يعرف معنى كلمتى السهر والتدخين، بالإضافة إلى التزامه بالحصص التدريبية فى موعدها، مع اعتبار أنه يغذى نفسه على الحليب والكالسيوم. ولا أكابر عندما أقول إننا فى مصر نمتلك لاعبا بتلك المواصفات والأخلاق والتأثير داخل الملعب، وهو أسطورة الدفاع وائل جمعة. فوائل جمعة فى أوقات كثيرة غيابه مثّل للأهلى مشكلة وكارثة، هذا لأن وائل احترم مركزه واحترم عقليته فى التعامل مع كرة القدم، فأجبر حتى زملاءه فى الوسط والهجوم على عدم الشعور بالأمان إلا ووائل يوجد فى أرض الملعب. ولم نسمع يوما من صحف صفراء أو خضراء أن وائل خارج أرض الملعب على علاقة بفلانة أو عِلّانة أو شوهد يترنح فى فندق فلان أو كذا، هذا لأن وائل بمواصفات خارقة من ماركة زانيتّى. تتوالى أمثلة أوروبية كبيرة على عالم كرة القدم، فنرى موهبة مثل بالوتيللى ينهى حياته مبكرا بسبب الانحراف والاستهتار، ونرى موهبة أخرى تقضى على آمالها مثل رونالدينيو بسبب السهر والخمور، وموهبة أخرى مثل تيفيز بسبب العند والتكبر والتعالى. ولكن على النقيض تماما، لم أر نجما يتقدم به العمر والسن إلى مرحلة كبيرة، ويقدم الأداء الذى شاهدته عليه لأول مرة تابعته مثل خافيير زانيتّى. وأخذت ابنى عمر وأنا سعيد وشارد فى التفكير أناقشه عن زانيتّى وطريقة لعبه، وأعقد مقارنة بينه وبين وائل جمعة، فيجيب علىّ ولدى بعبرة وحكمة: يا بابا وائل جمعة لعّيب كبير، ومش بتشوف فى إيطاليا بيقولوا عليه إيه. فعلا وائل بالإمكان أن يكون مَثلًا وقدوة لكل الرياضيين المصريين، لأن التحدث عن الجوانب التى تحافظ على مستواه، هى التى ستصنع عندنا رياضيين بمثل هذه الكفاءة.