داعش طردتنا سيرًا على الأقدام دون نقود زفرة طويلة حارة نقلها الصحفى العراقى «وسام راما بوهة» عبر الهاتف، نقلت مزيدا من الأسى والحزن والألم، وهو يتذكر اللحظات القاسية، التى عاشها خلال أيام تهجيره من مدينته الموصل إلى إحدى القرى النائية بإقليم كردستان العراق. وتحدث، راما، مدير إذاعة «آشور» سابقا، والذى يراسل حاليا المركز الدولى للصحفيين بعد فراره من الموصل إلى «التحرير» من منفاه عن الأحداث الدرامية، التى حدثت منذ 10 يونيو، وقت سيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية» المعروف إعلاميا باسم «داعش» على مدينة الموصل شمالى العراق، عاصمة محافظة «نينوى» وثانى أكبر مدن العراق. وفى اتصال شابه كثير من الأعطال والمشكلات التقنية؛ بسبب هروب راما فى قرية مسيحية نائية بإقليم كردستان العراق قريبة من الحدود التركية، رفض أن يفصح عن اسمها؛ حتى لا يتم استهدافه فيها، تعانى من مشكلات تقنية، روى «راما» ما حدث منذ سيطرة «داعش» على الموصل؛ حتى فراره منها. أيام الألم ويقول «راما»، ذو الديانة المسيحية، إنه فى الأيام الأولى التى تبعت 10 يونيو، بعدما سيطرت إحدى الميليشيات المسلحة على مدينة الموصل، لم نكن نعرف ما تلك الميليشيات، وظنناها مجرد مسلحين مناوئين لحكومة نورى المالكى، ولم يكن هناك أى مضايقات لأى مدنيين، وسارت الحياة بصورة طبيعية دون أى تغيير سوى غياب قوات الجيش والشرطة بصورة مريبة للغاية. ولكن بعد ذلك بأيام تكشفت الأمور، وأدركنا أن تنظيم «دولة الإسلام فى العراق والشام» (داعش)، والذى تحول فى ما بعد إلى «الدولة الإسلامية» هو من سيطر على المدينة، وبدأت تظهر مضايقات لكل من هو مسيحى أو شيعى فى المدينة. ويشير الصحفى العراقى إلى أن الأحداث والمضايقات بدأت بأن يتم وضع علامات بيوت المسيحيين بحرف «ن» نسبة إلى كلمة «نصارى» وبيوت الشيعة بحرف «ر» نسبة إلى كلمة «روافض». ولكن الانتقالة الكبيرة فى الأحداث، وفقا ل«راما» كانت تلك الوثيقة التى أصدروها، والتى ألزمت جميع المسيحيين فى الموصل بضرورة مغادرة المدينة. ويضيف قائلا: «الموصل معروفة بأنها مدينة كل الأطياف تضم السنة والشيعة والمسيحيين والأكراد وكل العشائر العربية والآشورية والفارسية، منذ مئات وآلاف السنين لم يحاول أو ينجح أحد تمزيق هذا النسيج القوى». ويتذكر راما، قائلا: «منحوا لكل المسيحيين 3 خيارات، إما اعتناق الإسلام أو دفع الجزية أو الرحيل من المدينة، ومنحوا لكل المسيحيين مهلة 48 ساعة لكى يترك كل المسيحيين المدينة». اجتمعت معظم عائلات المسيحيين الكبرى فى الموصل، واتخذت قرارا جماعيا بالرحيل، ولكن ما صدم الجميع هو ما نفذته «داعش» وقت خروج تلك العائلات. وأوضح بقوله: «وعند خروج أى شخص أو عائلة يقومون بتفتيشهم وأخذ كل متعلقاتهم من نقود وهواتف وأجهزة وحتى سيارات، ويتركونهم يرحلون على أقدامهم». وكشف «راما» ل«التحرير» أنه قام بتخبئة متعلقاته الأساسية وأوراقه المهمة ومتعلقاته الثمينة داخل المدينة، ولم يخرج بها، وأشار إلى أنه أخفاها لدى صديق «سنى» موجود فى المدينة، رفض بالطبع الإفصاح عن هويته ولا مكان وجوده؛ حفاظا على حياته. وقال الصحفى العراقى: «فى النهاية اضررت لأن أسير على قدمى أنا وعائلتى حتى خرجت من المدينة، وهناك ساعدونا بعض الناس؛ حتى وصلنا إلى تلك القرية المسيحية، التى احتضننا أهلها ونعيش فيها؛ ننتظر حتى ترحل غمة داعش، ونعود إلى ديارنا وأرضنا». أعداء الحضارات أما عن أبرز ما قام به أعضاء «الدولة الإسلامية» منذ سيطرتهم على المدينة وفرار قوات الجيش، فقال إن تدمير الأماكن والمزارات الأثرية أبرز تلك العلامات. وقال راما: «لم يركزوا على تدمير الأماكن الأثرية المسيحية فقط، بل اهتموا أكثر بتدمير الآثار الإسلامية أيضا، فهم وضح من اليوم الأول أنهم أعداء الحضارات». وتابع قائلا: «لقد اتخذوا الأديرة مقرات لعملياتهم، ويبدو أنهم سعوا للانتقام من كل ما هو أثر مغاير لأفكارهم سواء كان مسيحيا أو إسلاميا». واستمر بقوله: «لقد دمروا كل المراقد والأضرحة والمساجد، وتم تدمير مقام النبى يونس وجامع النبى شيدو، وتلك أماكن مفضلة لكل سكان الموصل السنة أيضا». وأردف قائلا: «هم حسب تعاليمهم المتطرفة رافضين وجود أى ضريح أو مرقد أو مكان أثرى، وأبرز ذلك أنهم اتخذوا ديرا عمره أكثر من 1300 عام مقرا لعملياتهم». المالكى الطائفى أشار بوهة إلى أن تلك الجماعات المتطرفة المنتشرة فى العراق، وعلى رأسها «داعش» بالطبع؛ لا تختلف بأى حال من الأحوال عن أمثلتها التى ظهرت فى مصر، فهى تخرج من نفس بوتقة الأفكار المتطرفة، ولكن تلك الجماعات أتاحت لهم أجواء الفوضى الأمنية التى أشاعها نظام حكم رئيس الوزراء نورى المالكى، لتصبح أكثر عنفا وتطرفا ووحشية ودموية من أى جماعة أخرى. وحمّل مدير راديو «آشور» المالكى الجزء الأكبر من مسؤولية الحالة الأمنية المتردية فى العراق، والمشكلات التى تعيش فيها البلاد. وقال راما: «خلال 8 سنوات حكم فيها المالكى فى العراق لم يتمكن من خلق أى توافق بين الكتل السياسية الرئيسية سنة وشيعة وأكرادا». وتابع بقوله: «لم يستطع المالكى أن يخلق توافقا فحسب، بل عمق هو تلك الطائفية، ولم يستطع أن يوفر الأمن، واستمرت سياسة الاغتيالات والتفجيرات المتبادلة والمتورط فيها هو نفسه، وهذا ما جعل كثيرا من المدن تسقط فى يد الجماعات والميليشيات المسلحة». واستمر بقوله: «لم يستطع أن يكسب السنة فى صفه، وكان حكمه طائفيا بالدرجة الأولى؛ فقد حرم كل السنة والأكراد من أى مناصب رئيسية فى الدولة وفى الحكومة، وهو ما خلق حالة من الاستياء المتنامية». وأوضح بقوله: «لقد تسبب هذا لم يقاوم سُنة الموصل أو يرفضوا دخول الميليشيات المسلحة التى سيطرت على المدينة، والتى علموا فى ما بعد أنها داعش، ورحبوا بها فى بادئ الأمر على أنها معارضة للمالكى». وأشار إلى أن تنظيم داعش تنظيم متطرف ولو افترضنا أنها آلاف من البشر، فهو لا يستطيع بمفرده السيطرة على مدينة تعدادها 5 ملايين نسمة، إذا لم يكن هناك تجاوب من السنة أو عدم رفضهم لوجودهم؛ بسبب رفضهم لوحشية طائفية المالكى، ولكنهم الآن بالتأكيد مستعدين لمحاربة كل من داعش والمالكى لتكوين عراق جديدة بعيدة عن أى طائفية أو تطرف. وقال إن أبرز دليل على أن طبيعة «سنة الموصل» ليس مؤيدة لتلك الجماعات المتطرفة أن من ساعده على تهريب متعلقاته وإخفائها هو «صديق سنى» ساعدته أسرته بالكامل على إخفاء متعلقات عدد من العائلات المسيحية الأخرى. راما: «الدولة الإسلامية» قدمت «الوجه الأكثر ظلامية» للإسلام.. وممتلكات المسيحيين» هدفهم الأول التنظيم المتطرف دمر كل المراقد والأضرحة والمساجد.. واتخذوا ديرًا مقرًّا لعملياتهم الأكراد على المحك أما عن مناطق كردستان العراق، التى فر إليها «وسام راما»، فقال إنه «أكثر أمنا حاليا؛ بسبب سيطرة قوات البشمركة وحرس الحدود بقوة عليها، ومنعها أى مسلحين من الدخول». ولكنه قال إن الشارع الكردى بدأ يشعر بخطر بالغ فى الفترة الأخيرة؛ خوفا من أن ينقل مسلحو داعش الفوضى الأمنية إلى مدن الإقليم. وأوضح بقوله: «بمراجعة جغرافية المنطقة ستدرك أن محافظتى نينوى وتكريت، التى سيطرت عليهما الدولة الإسلامية تحدان إقليم كردستان بالكامل، بأكثر من 1200 كيلومتر بطول حدود المحافظتين مع الإقليم». وأردف قائلا: «الشارع الكردى يدرك أنه قومية رئيسية فى النسيج العراقى، ولكنه عاش لفترة طويلة منذ عام 1991، وهما شبه مستقلين عن العراق». وتابع بقوله: «منذ الفترة من عام 2003 بعد سقوط بغداد ونظام صدام حسين، وعاشوا فى بحبوحة وأمان أكبر من العراق وباقى المناطق والمحافظات، وأبعدوا أنفسهم عن صراعات الميليشيات، ولكن أن يقترب منهم الخطر بتلك الطريقة، فهذا أمر بالغ الخطورة بالنسبة لهم». أما عن حلم استقلال الأكراد عن العراق، قال راما: «هما بالطبع يحلمون بأن يستقلوا بالعراق، ويكونوا قوميتهم ودولتهم الخاصة». وأردف قائلا: «هم يريدون أيضا أن يبتعدوا عن مشكلات العراق، الذين يجدون من الصعوبة أن تحل بتلك السهولة، وقد تجر تلك الفوضى إلى أراضيهم وإقليمهم». ولكنه اختتم قائلا: «الشارع أغلبيته مع توجه الاستقلال عن العراق، لكنهم مقتنعين بأنهم حاليا لن يستطيعوا أن يحققوا هذا الحلم فى الوقت الحالى، وأنه سيجلب عليهم مشكلات لا حصر لها، ولكنه سيظل دوما مشروعا مستقبليا وحلما بالنسبة لكل الأكراد سواء فى العراق أو فى سوريا أو فى تركيا، ولكنهم سيختارون الوقت المناسب لتحقيق هذا الحلم».