يواصل تنظيم «داعش» سياسة القتل والتدمير فى المناطق التى سيطر عليها فى سورياوالعراق، لم يسلم أى مكون من المكونات البشرية فى البلدين، بدأ كتنظيم يعمل ضمن المعارضة السورية لنظام بشار الأسد، سرعان ما انقلب على جميع من كان يعمل معه وانفرد بالساحة، وواصل عمليات القتل بأبشع الأساليب. ثم بدأ التنظيم فى استهداف مسيحيى سوريا، فشن حملة لطرد المسيحيين من بلاد الشام، وبدأ فى تدمير الكنائس والأديرة التاريخية، بل إنه أقدم على اقتحام أديرة لراهبات وقام بأسْر راهبات سوريات فى مخالفة لكل القيم الدينية ومواريث المنطقة بل والضمير الإنسانى. أيضًا بدأ التنظيم فى استهداف رجال الدين المسيحى وقتلهم بطرق بشعة، وأخيرًا بدأ تنفيذ سياسة طرد وتهجير المسيحيين والاستيلاء على ممتلكاتهم. حرص التنظيم على تصوير ما يقوم به على أنه من منطلق دينى ولخدمة الدين، ومن ثَمَّ شاركه بعض بسطاء الناس فى عمليات الإبلاغ عن العائلات المسيحية وملاحقتها. المشاهد الواردة من سورياوالعراق لا تنتمى إلى الإنسانية بصلة، تقول بأننا أمام مجموعات من البشر فقدت كل إحساس ولا دين لديها ولا أخلاق، فمنهم من كان يقوم باغتصاب سيدات وبنات صغيرات فى السن لا يزيد عمر بعضهن على عشر سنوات، ومنهم مَن يقوم بصلب الأطفال الصغار وتعذيبهم والتنكيل بهم. الغريب والعجيب حقًّا هو حالة الصمت المريب التى تسود المنطقة والعالم تجاه ما يجرى فى العراقوسوريا، فلا رد فعل من حكومتى العراقوسوريا، كأن هناك مباركة لما يجرى، لم يصدر عن رجال الدين الإسلامى ما يقول بأن ما يقوم به تنظيم داعش لا ينتمى للإسلام بصلة ولا يخدم الدين، بل يشوه صورته، لم يخرج علينا رجال دين فى الشام يرفضون عمليات القتل والتعذيب التى تجرى بحق المسيحيين فى تلك المنطقة، لم تتقدَّم منظمة من آلاف المنظمات العاملة فى حقل حقوق الإنسان والتى تحصل على تمويل دولى، لتعلن رفضها للجرائم التى ترتكب بحق المسيحيين فى الشام والعراق. وعلى المستوى الإقليمى لم يصدر عن مؤسسات دينية عربية ما يفيد رفض وإدانة ما يجرى بحق مسيحيى الشام والعراق، لم تقدم الكنائس المصرية على اتخاذ موقف قوى تضامنًا مع مسيحيى العراق والشام، فقد أُصدر بيان مقتضب وكفى. نفس الأمر ينطبق على مؤسسة الأزهر، تلك المؤسسة التى تمثِّل المرجعية العالمية للإسلام السنى الذى يقول تنظيم داعش إنه ينتمى إليه، لم يصدر عن الجامعة العربية موقف قوى لحماية مكون كان المبادر بإحياء فكرة القومية العربية التى هى فكرة تبنّاها وعملت على تفعيلها شخصيات مسيحية من الشام. أما على المستوى العالمى فلم يصدر عن القوى الكبرى، لا الولاياتالمتحدة ولا دول الاتحاد الأوروبى ما يفيد برفض ما يجرى من جرائم بحق المسيحيين فى العراق والشام، لم تبادر أى من واشنطن ولندن، دولتى الاحتلال المسؤولتين عن كل ما يجرى فى المنطقة منذ احتلالهما العراق عام 2003، بما يفيد شجب الجرائم التى تمارس بحق أهل العراق ككل والمسيحيين منهم على وجه الخصوص، كما لم يصدر عن واشنطن ما يفيد رفض جرائم داعش فى سوريا. ويمكن القول إن ما يجرى فى سورياوالعراق بحق المسيحيين من جرائم، إنما يعود بالأساس إلى سياسات الولاياتالمتحدة ودول غربية، ويقدم الدليل العملى على وهم حديث واشنطن عن الحرية، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، فكلها شعارات جوفاء لا قيمة لها. ويظل التساؤل الأخير عن مواقف الحكومات العربية مما يجرى فى سورياوالعراق ومن قبلها مواقف المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية.