«الكل قد يدخل الحرب لكن الشجاع وحده من يتعلم خلالها أداب الفروسية» و «علامة الإيمان هي أن تؤثر قول الصدق حيث يضرك على قول الكذب حيث ينفعك» قولان أختصر خلالهما منذ زمن المفكر الكبير محمود عباس العقاد معالم الطريق الذي يخوضه أى محارب شريف خلال معركته ، فيكون هدفه هوالصالح عام لا المصلحة شخصية، و تكون سماته هي الصدق و النبل و الإعتزاز بالنفس. أمس فعلها جميعاً محمد مصطفى البرادعي ، فعلها كما كان يفعلها دائماً منذ اليوم الأول الذي أطل فيه بوجهه على مصر قبل عامين و رفع من أجلها راية «التغيير». فمن مطار القاهرة في 19 فبراير 2010 حين أنتظره الآلاف يعلنون تأييدهم لدعوته الصادقة في «التغيير» و يطالبوه بالترشح للرئاسة ، يومها قال البرادعي «مدخل التغيير يجب أن يكون علم الشعب المصري أن عليه مسئولية في التغيير ، فنحن للأسف أصبحنا شعبًا سلبيًا إلي حد كبير». استمر في نزوله الى الشوارع و زيارة المصريين عقب صلاة الجمعة بالقاهرة والمحلة و المنصورة و مع نجاح حملات الشباب المؤيد له في جمع التوقيعات على ما دعا هو له حينها و سمى «بيان التغيير»، وجه رسالة رفع الإستعداد «في ظل نظام قمعي فإن مقاطعة الانتخابات، التوقيع علي بيان التغيير، التظاهر السلمي، وأخيراً العصيان المدني هي الوسائل المتاحة أمامنا.. قوتنا في عددنا». زار والدة شهيد الطوارىء «خالد سعيد» و شارك الآلاف تظاهرهم الغاضب أمام مسجد سيدي جابر و طالب الشباب المؤيد له الى عدم إرتداء التي شيرت الخاص بالحملة الانتخابية و دعاهم إلى ارتداء الملابس البيضاء او الملابس السوداء بحيث تعبر الملابس البيضاء عن الامل والتفأول لمستقبل مصر والملابس السوداء حدادا على روح شهداء التعذيب. و مع تزوير إنتخابات 2010 التي أكدت أنه «لا مفر» دعا لمقاطعة الإنتخابات و قال «استمرار لديمقراطية مزيفة » . و مع اندلاع الربيع العربي ب «تونس» حياً البرادعي باسم كل مصري شعب تونس على شجاعته واسترداده لحقوقه المسلوبة من حرية وكرامة و قال «التغيير سنفرضه بإرادتنا؛ تونس أضاءت الطريق ». و مع خروج دعوات الغضب التي اطلقها الشباب عبر صفحات فيسبوك و تويتر للنزول ليوم 25 يناير .. التزم «المحارب» الصمت و رفض أن يأخذ دور القيادة و ترك الشباب يعبر عن نفسه بقوة و اكتفى برسائل التحريض التي وجهها له خلال عام ، و عندما رآهم يملئون الشوارع قررها سريعا دون مداراة او تردد سأشارك ب«جمعة غضب» الشعب المصري قائلاً :«اشعر بالحاجة إلى تواجدي بالقاهرة للمشاركة في «ثورة المصريين».. فالشباب المصري فقد صبره والنظام لم يعد يستجيب للإصلاح .. و على الجميع أن يختار موقفه». و خلال ال 18 يوم لم يترك الشعب المصري وحده،نزل الميدان و حذره الشعب المصري من أى خدعة تحاول قتل ثورته، فقال عقب خطاب مبارك قبل الأخير « طلب مبارك تعديل الدستور خدعة للاحتفاظ بالسلطة, القوى المعارضة ستواصل التظاهر، و لن تتفاوض مع السلطة ما لم يغادر الرئيس مبارك سدة الحكم» رفض «البرادعي» مبدأ التفاوض مع عمر سليمان قبل تنحي مبارك و مع إعلان سليمان خلع «سيده» قال «تنحي مبارك أسعد يوماً في حياتي» و تحدث بالعامية المصرية الممتزجة بالدموع الواضحة في العين «إحنا مش هنتهان تاني». بادر «البرادعي» كالملايين بحسن النية و عظم من موقف الجيش بالثورة «لا خوف على مصر من جيشها». قالها من أجل مصر لا المجلس العسكري، لذا و مع أول إحساس بال التخبط و الإبتعاد بالثورة عن طريقها ، تماماً في 9 مارس قال البرادعي في رسالة له : :«الشكوك تتزايد والثورة في خطر جسيم، بدون الاعتقال الفوري لرموز العصابة وقياداتها العليا». عقب يومين فقط، و خلال برنامج تليفزيوني مع الإعلامي يسري فودة تحديدا في 11 مارس، أعلن البرادعي إيماناً بالمسئولية و إستجابة لمطالب مؤيديه ترشحه قائلاً ».
ومع أولى دعوات المجلس العسكرى للاستفتاء فى 19 مارس الماضى دعا الدكتور محمد البرادعى، إلى إلغاء الاستفتاء على التعديلات الدستورية وأشار إلى ضرورة وضع خريطة طريق واضحة ومتأنية للانتقال بمصر إلى نظام ديمقراطى حقيقى، وقال:أنصاف الحلول عودة للوراء.
مرت الشهور لم يرفض الرجل خلالها حضور «لقاء» دعي إليه، لم يتأخر عن تقديم «النصح»، أيد في رسائله جمعات الثورة بين المطالبة بتصحيح المسار و تسليم السلطة للمدنيين و رفض المحاكمات العسكرية. و من الصدام بالشارع الى الصدام السياسى بين العديد من القوى السياسية والمجلس العسكرى وحكومة شرف حول وضع وثيقة تعطي الجيش مزايا غير مبررة قالها صريحة «القوات المسلحة ليست دولة فوق الدولة ولن تكون» . و لأنه كان و سيستمر شغله الشاغل هو قدرة الشعب الصمري على تملك مصيره، فقد وجه رسالته لهم صباح خوض أول إنتخابات برلمانية بعد الثورة قائلاً «استغلوا أول انتخابات ديمقراطية من 60 سنة» قالها و لكن كان خوفه يزداد على مصير هذه الثورة، و حزنه يعتق على شهداء مرواً و لم يأخذوا حقهم في ثورة مكتملة و شهداء بدأوا له طريق جديد، فكانت «محمد محمود» بداية النهاية بالنسبة لقراره بالانسحاب، فقال «الثقة تأتي بعد تطهير الداخلية ممن أجرموا في حق الشعب المصري و كفي عشر شهور من المراوغة».
مع إعتصام المئات من الشباب فى الميدان رافعين مطالب بتغير الحكومة وتنحى المجلس العسكرى وتسليم السلطة للمدنين عن طريق مجلس رئاسى مدنى اعلن البرادعى أعلن تأييده الكامل لمطالب الثوار و فى مقدمتها إلغاء المحاكمات العسكرية للمدنيين و تشكيل حكومة إنقاذ وطنى جميع فئات الشعب بكافة طوائفه واتجاهاته، لديها صلاحيات تمكنها من الوفاء بمسئوليتها مع إعطاء الأولوية إلي تحقيق الأمن، تعافي الاقتصاد،والإشراف علي المرحلة الانتقالية للوصول بمصر إلي حكم مدني ديمقراطي. قال البرادعي «لابد من تغيير نمط التعامل مع المتظاهرين والبعد عن الاستخدام المفرط للقوة وتغيير السياسات القمعية التي أثبتت فشلها، حل مشاكل مصر هو في المقام الأول حل سياسي توافقي وليس حل أمني». و مع الصدام الثالث فى بين الثوار وقوات الشرطة العسكرية و الأخير حتى الآن امام أيضا وصفها البرادعي بوضوح «همجية ووحشية.. ليس هكذا تدار الأوطان ». رأى البرادعي الرصاص يطلق ليس من سلاح العسكر وحده و لكن من شاشات الإعلام التابع للدولة فقال «الثورة تريد تحرير العقول.. التلفزيون المصري يريد تغييب العقول.. الثورة ستنتصر». دعم نساء مصر و دافع عن شرف الفتاة الي عرًت المجلس العسكري وأنهال عليها شيوخ الفضائيات بأوصاف تدخل في باب «قصف المحصنات» فال «النظام في مصر نظام فاشي، و لا يخجل من تعرية الفتاة». وعندما خرج واحد من رجال العسكر يطالب بحرق الثوار وهو اللواء كاطو رد في غضب ليس من طبعه ، و لكن كيف لا يغضب وهو يري الثوار و حلمهم ينحسب من بين أيديهم !!، قال « كاطو مكانه في السجن و ليس السلطة» . طالب الشعب منذ ساعات ألا يضيع أهم مكتسب خلال عام وهو «كسر حاجز الخوف» و طالبه بعدم اليأس لأن «الثورة ستنتصر»، هذه الجملة التي أنهي بها كل رسائله خلال العام الماضي إشتباكاً و إستشرافاً للأحداث في مصر بعد الثورة فأخذها الشباب عنه و نقلوها في شكل رسم جرافتي على أغلب الجدران المحيطة بالميدان بما فيها الجدران التي أحاط بها «العسكر» ثورة «شعبه».