فاجأتنا وسائل الإعلام الأسبوع الماضى بأخبار مداهمة قوات الأمن مقرات منظمات المجتمع المدنى، مصرية ودولية، تعمل فى مجال «حقوق الإنسان» وتناثرت الأخبار هنا، وهناك حول الأسباب والمبررات التى أفضت إلى هذا التصرف وسودت الصفحات حول وجهات نظر الجانبين المعتدى والمعتدى عليه، وفقا للتصنيف الذى يتبناه مؤيدو كل طرف، وبصفتى إحدى المهتمات بالشأن العام، وبالتالى طبعا لا أدخر وقتا أو جهدا فى بحث وتحليل كل ما يحقق صالح الوطن بجميع أطرافه، ومحاولة التوفيق بينها، فقد أوليت هذا الأمر تفكيرا عميقا خلال الأيام الماضية، وقررت أن أشارككم نتائج ما انتهيت إليه من تحليل ومقترحات بصفتكم قرائى الأعزاء، وعليه سأبدأ فى عرض ممل، لأنكم تعرفونه، لما حدث على الساحة وانتهى باقتراح مبتكر لحل الأزمة. من ناحية فإن السلطات ترى أن تمويل وعمل هذه المراكز والمنظمات غير قانونى، وليس لديها تراخيص من وزارة التضامن الاجتماعى، وتحصل على تمويل دون الإخطار عن الأموال التى تتقاضاها، وأوجه إنفاقها، وأن الولاياتالمتحدة قامت بتمويل بعضها باقتطاع 100 مليون دولار من المعونة الاقتصادية لمصر وضختها لتمويل هذه المراكز فى الشهور الستة الماضية، وبالتالى فبعض هذه المنظمات لها «أجندات» قد تضر بالأمن القومى المصرى، نظرا لعدم شفافية أنشطتها غير الخاضعة للرقابة، وعليه فهذه المنظمات تقع فى محظور العمالة والخيانة وعدم حب الوطن.. إلخ. ومن الناحية الأخرى فمنظمات المجتمع المدنى ترى أن تصرف السلطات يناهض حقوق حرية تكوين الجمعيات، وأن الحكومة المصرية تقوم بحملة منظمة ضد منظمات المجتمع المدنى المصرية، تهدف إلى تشويه صورتها واتهامها بالعمالة لدول أجنبية، بسبب تلقيها تمويلات من تلك الدول، واعتبرت أن هذه المداهمات شكلت خطوة خطيرة لبداية حملة أمنية، يرجح أن تطول العشرات من المؤسسات الحقوقية فى إطار حملة أوسع تسعى إلى التشهير بجميع النشطاء والعديد من القوى المنخرطة فى الثورة، وعليه فإن السلطات تقع فى محظور خيانة الثورة ومعاداة النشطاء وقمع الحريات... إلخ. وتلا ذلك ردود فعل دولية مستنكرة لهذه المداهمات واتصالات بالحكومة المصرية، لحثها على منح حرية العمل لمنظمات المجتمع المدنى، وأدى ذلك إلى حملة إدانات محلية وعالمية لاقتحام مقرات المنظمات الحقوقية، وأعلنت السلطات الأمريكية أنها قد تلقت تطمينات من مصر بوقف الحملة ورد الممتلكات المصادرة، وطبعا كل ذلك، لأن أمريكا تحبنا وتريد مصلحتنا، وبالتالى حكومتنا العزيزة حرصت على طمأنتها، وبعد تحليلى العميق للموقف من الجانبين توصلت إلى أن الطرف الأول، وهو السلطات المصرية، قد ضاق صدرها بالأنشطة المكثفة لتلك المنظمات، وحديثها الذى لا ينقطع حول المحاكمات والانتهاكات والمظاهرات واستمرارها فى الظهور على وسائل الإعلام، بوصفها الحامية لحقوق وحريات الأفراد، منددة بقرارات وتصرفات المجلس العسكرى والحكومة المصرية فى انتهاك حرية التظاهر والاعتصام دون تقدير لما قام به المجلس العسكرى لحماية الثورة. أما الطرف الثانى، وهو المنظمات الحقوقية، فقد صدقت بعد الثورة أن الأحوال قد تغيرت، وبالتالى توسعت فى أنشطتها لدعم الحقوق والحريات ومناهضة المحاكمات العسكرية للمدنيين والدفاع عن سجناء الرأى والنشطاء السياسيين، مما أثار قلق وحساسية القائمين على الأمور، وكان من الطبيعى أن يؤدى ذلك إلى مواجهة حتمية لا مفر منها بين الجانبين، ويبدو أن لب الخلاف هنا هو كلمة «الحقوق»، فمن الواضح أنها تثير حساسية الطرف القابض على مقاليد الأمور حاليا، وأن الكيل قد فاض بالمسؤولين من الحديث عن انتهاكات حقوق الأفراد، وضرورة احترامها وحمايتها، بينما الطرف الآخر كلمة «الحقوق» هى جوهر عمله ومبرر وجوده، وبالتالى فإنها تتردد على لسانه بصفة مستمرة ومتكررة. ولحل هذه المعضلة المعقدة، وبصفة ان احنا مش ناقصين مشاكل وأزمات، فإننى أتقدم لكم جميعا بحل عبقرى، أتمنى أن يرضى جميع الأطراف، خصوصا السلطات المصرية، فاحنا فعلا شعب مشاغب ومتعب، لأنه من المفروض أن ندرك أن كلمة «حقوق» قد أصبحت كلمة سيئة السمعة، وتدل على عدم الاعتراف بالجميل اللى اتعمل فينا منذ الثورة وحتى الآن، ومع ذلك بنوافق على تأسيس المزيد من المنظمات التى تدعم حقوق الإنسان، رغم الإنجازات الرائعة التى تحققت فى هذا المجال، وتعتبر غير مسبوقة فى هذه المنطقة من العالم باستثناءات محدودة جدا جدا مثل الاحتجازات والاعتقالات والوفيات والإصابات والانتهاكات والمحاكمات العسكرية، التى تؤكد السلطات أنها حالات فردية بالطبع. وعليه فإننى أدعو بكل قوة إلى تأسيس منظمات «واجبات الإنسان»، ويكون غرضها أولا أن تشرح للناس أنهم زودوها فى مسألة المطالبة بالحقوق طوال الوقت، وثانيا تدلهم على أداء واجباتهم فى احترام السلطات والأدب فى الحديث، وثالثا تؤكد لهم أن حرية الرأى هى حريتك كمواطن فى إبداء رأيك فى أولادك وعائلتك والأفلام والمسلسلات، وان اللى عايز يعتصم يروح يعتصم فى بيته، وان اللى عايز يتظاهر حدوده الصالة أو الفسحة، وان اللى واخد عجلة الإنتاج رهينة يفك أسرها بقى علشان البلد حالها ينصلح، وعندما يحدث كل ذلك نبقى نشوف بقى مسألة الحقوق اللى انتم دوشتونا بيها.