هولندا دومًا منتخب مرشح للفوز بكأس العالم.. لكنه لم يفُز بها من قبل هدف فى الدقيقة الأخيرة للمباراة.. اختبار حقيقى للقلب. أن تكون موجودا فى الاستاد، وتستعد لأن تعود إلى منزلك، وتعتمد النتيجة الموجودة على الشاشة على أنها نهائية... ثم يأتى هدف! كل شىء يتبدل. أما لو كنت صحفيًّا، فأنت تعيد كتابة التقرير الذى كنت تعده، ولو كنت مشجعا، فأنت ستشعر بمشاعر جديدة تماما عليك، أما لو كنت لاعبا، فهذا يعنى أن فريقك عاد مرة أخرى إلى المباراة، أو أنك ستعانى حتى تنتهى تلك المباراة. فعلا.. الهدف فى الدقيقة الأخيرة.. اختبار للقلب. لذلك، تخيل لو تم تسجيل كثير من الأهداف فى الدقائق الأخيرة. أضف إلى ذلك حقيقة أنك فى مرحلة الأدوار والمباريات الحاسمة فى كأس العالم، وأنه يجب أن يحقق أى فريق انتصارا ويتأهل إلى الدور ربع النهائى. كل ذلك حدث أول من أمس، إنه يوم لمشجعى هولندا، والمكسيك، وكوستاريكا، واليونان لن ينسوه طوال حياتهم. مشجعو هولندا وكوستاريكا لديهم كل الأسباب للاحتفال، أما مشجعو المكسيك واليونان فسيعضون على أصابع الندم مما حدث لهم فى البرازيل. بات وجود لاعبين نجوم فى قلب فريق كرة القدم أمرا ضروريا، بقدر ما يمثل وجودهم أمورا معقدة عديدة تحتاج إلى حل، فمن المهم أن يكون وجودهم فى صالحك، فأقدام أولئك اللاعبين هى ما صنعت الفارق بالنسبة لمنتخبى هولندا كوستاريكا، مع تكتيكات دفاعية للغاية. فى المباراة التى جمعت المكسيكوهولندا فى دور ال16، كاد أن يغادر لويس فان جال المدير الفنى وفريقه الهولندى المونديال، وخلفهم لوحة النتيجة الرئيسية فى الملعب تشير لتسجيل هدف جميل من قبل المكسيكى جيوفانى دوس سانتوس، ولكن بعد أن عاش خطر الخروج من البطولة بصورة كبيرة، تعافى شنايدر فى الدقيقة 88، وأحرز هدف التعادل، قبل أن يحصل روبين على ركلة جزاء فى التوقيت الحاسم، ليسجل هونتيلار هدف الفوز بهدفين لهدف. هونتلار عقب تسجيله هدفا فى الدقيقة الأخيرة التى وضعت هولندا فى ربع النهائى قال: «أشعر أن جسدى ممتلئ بالأدرينالين النقى، وهو شعور أفضل من تعاطى أفضل مخدرات فى العالم، فنحن هنا من أجل الفوز بكأس العالم». وأضاف: «لا توجد كلمات لتعريف هذه العاطفة والشعور.. إنها كالرمق والنفس الأخير، التى يمكنها أن تقتل حلمًا أو تبقيه على قيد الحياة، إنها نشوة الفوز، لكن الدموع ستكون على وجنات الخاسرين». الأهداف فى الدقائق الأخيرة.. ينبغى أن يحظروها! أنا لا أمزح. لا ينبغى أن تكون موجودة مثل تلك الأهداف. كم من الأهداف التى تسجل فى الدقائق الأخيرة تغير من مسار مباراة هامة، وكم منها لا يغير من الواقع فى شىء. والحالة الأخيرة ظهرت جلية مع اليونان أول من أمس. سوكراتيس سجل هدف التعادل ضد كوستاريكا، ولكن كان الفريق الكاريبى هو الأفضل، وتمكن من الفوز فى ركلات الترجيح، وحصل على مكانه فى الدور ربع النهائى. جاءت كوستاريكا إلى البرازيل ولا أحد يتوقع أن تعبر الدور الأول كم كوستاريكى كاد أن يلقى حتفه تقريبا بعد هدف اليونان فى آخر لحظة؟ كم من اليونانيين استيقظوا مجددا وبدأ الحلم يداعبهم مرة أخرى بعد الهدف؟ كيف كانت حالة الصحفيين الذين يعيدون كتابة تقرير تلك المباراة أكثر من مرة؟ كرة القدم هى الرياضة الأكثر شعبية فى كوكب الأرض؛ لأنها مليئة بالعواطف والحماس مثل الذى شاهدناه أول من أمس، تلك هى واحدة من أهم المتع التى يمكن لأى صحفى رياضى أن يشاهدها ويعيشها، فأنت تقف حيث يكتب التاريخ سطوره. عادة، يكتب المراسل الحقيقة الواقعة أمامه، بعد أن تحدث بالفعل. ولكن فى الرياضة، نحن نرى الحقائق تحدث، نحن نرى التاريخ يكتب أمام أعيننا، فهدف فى الدقيقة الأخيرة مسؤول عن كتابة تاريخ جديد تماما، غير الذى كان سيكتب قبل تلك الدقائق. جاءت كوستاريكا إلى البرازيل، ولا أحد يتوقع أن تعبر أساسا المرحلة الأولى. فهى فى مجموعة بها أبطال العالم، أوروجواى وإنجلترا وإيطاليا، وهم أبرز المرشحين للتأهل فى «مجموعة الموت». لكن التاريخ تغير. التاريخ، أرسل الكوستاريكيون إنجلترا وإيطاليا إلى ديارهم. رونى وبالوتيلى لم يحصلا على فرصة للتألق فى البرازيل. بدلا منهما، بدأنا فى معرفة أسماء جديدة، مثل كامبل، نافاس، رويز.. اللاعبون الذين قدموا كرة قدم حقيقية، ولم يلعبوا فقط لأن أسماءهم كبيرة. لاعبون يبنون سمعتهم الآن، ويحاولون صناعة التاريخ. هولندا دوما منتخب مرشح للفوز بكأس العالم. لكنه لم يفز بها من قبل.. كانت فرصته الأخيرة عام 2010، عندما خسر اللقب أمام إسبانيا فى المباراة النهائية. الآن هم أذلوا إسبانيا بخمسة أهداف لهدف، وروبين وفان بيرسى أصبحا نجمى المسابقة، وجعلوا حلمهم على قيد الحياة، نعم، البرتقالى هو المرشح الحقيقى الذى تتوافر فيه جميع الشروط لإنهاء البطولة فى المقدمة، وكانت المكسيك هى الضحية الأخرى أول من أمس. هدفان فى الدقائق الأخيرة. ونتيجة جيدة مفاجئة دمرت جميع أحلام المكسيك. هدف فى الدقيقة الأخيرة، من الصعب استيعابه. لكنه ليس كما يبدو دوما، فهو يتوقف على كلمة «تقريبا»، تشيلى كانت «تقريبا» على وشك أن تفوز على البرازيل، ولكن كرة بينيلا ارتطمت بالقائم. ماذا كان يمكن أن يحدث إذا ما تم تسجيل هذا الهدف؟ كيف كانت ستكون البرازيل اليوم؟ كان تاريخ بطولة كأس العالم الحالية سيكون مختلفا تماما. كانت التقارير الخاصة بالمباراة ستكون عن نهاية الحلم فى البرازيل، وتكريس عقدة هزيمة الفرق المضيفة للبطولة. إلى أى مدى التاريخ سيكون مختلفا إذا ما تم تسجيل هذا الهدف فى الدقيقة الأخيرة؟ أتمنى كل يوم كتابة مقال بسبب أهداف الدقائق الأخيرة.. إنها اختبار للقلب.. إنها دليل على أننا على قيد الحياة.