شنبو فى المصيدة

هل تتذكرون «تتر» مسلسل «شنبو فى المصيدة»؟ حاول أن تستعيده مرة أخرى، أليس هو بالضبط «بلدى يا بلدى/ بلد الأحرار يا بلدى»، أغنية عبد الحليم الوطنية التى لحنها الرائع كمال الطويل. هل غضب أحد واستهجن قائلا كيف تسمح الإذاعة المصرية بكل هذا السخف؟ لقد مرّ الأمر فى مزيج من الضحك والانبساط، وأصل الحكاية أننا كنا فى الماضى نفاجأ بموعد رمضان ونظل حتى اللحظات الأخيرة لا ندرى هل نتسحر أم نقضيها عشاءً خفيفًا لاستكمال اليوم الثلاثين من شعبان. لم يكن تتر «شنبو» قد انتهى كمال الطويل من تلحينه، بينما أعلن المفتى أن غدا هو أول أيام رمضان، وذهب الجميع للاستوديو يقودهم المخرج الإذاعى يوسف حجازى، ولإنقاذ الموقف تم الاتصال بأكثر شعراء الأغنية المصرية تمتعا بخفة الظل فتحى قورة، وبدأت الدندنة، وغنى فؤاد المهندس وأصابع شويكار تلاحقه برقة على «الترابيزة» لضبط «الواحدة»: «شنبو يا شنبو/ والله ووقعت يا شنبو»، والكل اشترك فى الغناء، وكلما عجزوا عن إيجاد كلمات على نفس الإيقاع الموسيقى يعثر فتحى قورة على الكلمة المشاغبة، ووصل الطويل وأكمل معهم اللحن، ولحق بهم يوسف بك وهبى متأخرا، فأعادوا التسجيل حتى لا يُحرم المستمعون من صوت عميد التمثيل العربى وهو يردد برنين يمتلئ بالفخامة: «شنبو فى المصيدة»!!
لم يقل أحد فى زمن عبد الناصر إن هناك من يسخر أو يهين أغنية وطنية ارتبطت بلحظات انتصار الوطن، إنها بالفعل روح قوية، أعنى روح الدعابة، ولكن مع الأسف المجتمع صار يميل أكثر إلى التزمت فى كل مناحى الحياة، وهى دلالة على أن الصحة النفسية للشعب «بعافية شوية».
أزيدكم من الشعر بيتا أو بيتين عن مصر أيام القوة النفسية، عبد الوهاب يغنى لحنه العاطفى «يا وردة الحب الصافى»، بينما إسماعيل يس لا يترك الفرصة تمر دون أن يحيلها فى غضون ساعات قلائل إلى «يا حلة العدس الدافى»، وكان أول من يضحك هو عبد الوهاب، بينما شكوكو يتوجه مباشرة إلى ست الكل وهى تغنى «حب إيه اللى إنت جاى تقول عليه»، لتُصبح «حب إيه اللى إنت جاى تقول عليه/ سيبك انت من الكلام ده وتعالى دوغرى ع البوفيه»، ثم يتوجه من أم كلثوم إلى نجاة ويغنى «لا تكذبى إنى رأيتكما معا/ كنت باحسبك ملوخية لكن طلعتى مسقعة».
تابع الآن ما حدث فى «الميديا» من هجوم وهجوم مضاد بسبب برنامج «رامز قرش البحر»، الغاضبة بالمناسبة لم تكن فقط آثار، ولكنْ قطاع عريض من المصريين يرون فى كل ذلك نوعا من المسخرة التى لا تجوز لا فى رمضان ولا شوال، لم يتقبل الناس كثيرا مما كنا نرحب به فى الماضى بمنتهى الأريحية. خُذ هذه أيضا، لقد أعلنت أكثر إذاعة مرتبطة عند الناس بروح الوطنية فى زمن عبد الناصر، أعنى بها «صوت العرب»، فى مطلع الستينيات أن يوم القيامة غدا، وهلع المصريون والعرب، وطالب أمن الدولة بإحالة الراحل العزيز وجدى الحكيم وكل من الخواجة بيجو وأبو لمعة الذين أذاعوا الخبر إلى المحاكمة بتهمة تعكير السلم العام، ولم ينقذهم سوى عبد الناصر الذى وجدها مجرد مقلب يستحق الضحك لا السجن.
مع اقتراب شهر رمضان نجد أن رئيس الوزراء إبراهيم محلب يتوعد المسلسلات والبرامج بالوقف إذا خرجت عن الذوق العام، وهناك من يُحصى عدد الرقصات والنكت والخناقات والصفعات فى «البروموهات»، وصوت يقول لك: إلحق نيللى كريم بترقص، حتى أنت يا نيللى، رغم أن أمينة رزق فعلتها فى الماضى ولم يقل أحد حتى أنت يا ست أمينة.
نسيت أن أذكر لكم أن الكاتب والصحفى والروائى ورئيس اتحاد الكتاب المصريين والعرب محمد سلماوى، شارك بالتمثيل فى «شنبو فى المصيدة» عندما أخرجها حسام الدين مصطفى للشاشة، وكان طوال الأحداث يبحث عن «شنبو»!!