وافقت لجنة الاعتمادات بمجلس الشيوخ الأمريكى على استقطاع 400 مليون دولار من المساعدات الأمريكية السنوية لمصر، 300 مليون من المساعدات العسكرية، و100 مليون من المساعدات الاقتصادية، وبذلك تتراجع المساعدات الأمريكية لمصر إلى مليار دولار سنويا. وجاء فى مبررات التخفيض أن واشنطن تريد أن تبعث برسالة إلى الحكومة المصرية مؤداها أنها سوف تتابع التطورات فى مصر وتحديدا قضية الديمقراطية والحريات العامة. وبدا واضحا من التعليق الأمريكى أن واشنطن تريد أن تقول إن الديمقراطية تمثل عامل تقييم مهمًّا فى الحصول على المساعدات الأمريكية، وإن حقوق الإنسان والحريات العامة تمثل معيارًا مهمًّا فى توجيه المساعدات الأمريكية إلى الدول الأجنبية، وهو أمر غير صحيح بالمرة، فالمساعدات الخارجية تقدم للمساعدة على تحقيق أهداف وخدمة مصالح الدول التى تقدم هذه المساعدات، لذلك يدرج دارسو العلوم السياسية والسياسة الخارجية المساعدات الخارجية ضمن أدوات تنفيذ السياسة الخارجية للدولة، ومن ثم فالمساعدات توجه من أجل خدمة مصالح الدولة التى تقدم المساعدات، والمساعدات توجه حيث يمكن خدمة مصالح الدولة وتحقيق أهدافها. وهنا ذكر قصة المساعدات الأمريكية لمصر، فالعلاقات كانت مقطوعة بين البلدين، وعندما عادت هذه العلاقات بعد حرب أكتوبر 1973، كانت العلاقات عادية، وبدأت المساعدات على إثر توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية التى تم توقيعها فى مارس 1979، وجرى توجيه هذه المساعدات من أجل تثبيت معاهدة السلام وترسيخها، عبر تقديم حزمة من المساعدات الاقتصادية والعسكرية لمصر وإسرائيل معًا، جرى تقديم هذه المساعدات بصرف النظر عن حالة الديمقراطية والحرية فى مصر، فقد كان نظام السادات نظامًا مستبدًّا غير ديمقراطى، ولا حديث عن حرية أو حقوق إنسان. واستمرت هذه المساعدات غير مرتبطة بالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، وأكبر دليل على ذلك هو عدم تأثر هذه المساعدات إطلاقا بجرائم الإخوان وجماعات الإسلام السياسى بعد فوز مرسى بالرئاسة عام 2012، كما لم تعلق واشنطن على الانتهاكات التى وقعت خلال الانتخابات الرئاسية. وقفت واشنطن فى وجه ثورة الشعب المصرى وصورت ثورته فى الثلاثين من يونيو على أنها انقلاب عسكرى، وجاء هذا التصوير من منطلق مصلحى مباشر، فقد وقعت الثورة ضد حلفاء واشنطن وعملائها، ومن ثم وقفت واشنطن فى وجه النظام الجديد، جمدت تسليم طائرات وقطع غيار، ثم قررت تخفيض المساعدات بمبلغ 400 مليون دولار، مؤكدة أن التخفيض بمثابة رسالة للحكومة المصرية، مفادها أن الديمقراطية والحرية مهمتان وأن واشنطن سوف تتابع مدى التزام الحكومة المصرية بالحرية وحقوق الإنسان، وهى أقوال غير صحيحة بالمرة، فالمساعدات تقدم من أجل خدمة مصالح البلد الذى يقدمها، وتحقق قدرا كبيرا من النفوذ لمن يقدم المساعدات فى البلد المتلقى لها، وبهذا المعنى نقول إن تقليص المساعدات الأمريكية لمصر يعنى فى الوقت نفسه تقليص النفوذ الأمريكى فى مصر وتراجعه، وهى مصلحة مصرية خالصة ومناسبة للمصريين بأن يتخلصوا من هذه المساعدات تدريجيا وبناء حساباتهم على غياب هذه المساعدات، فلا مساعدات دون مقابل، والمقابل يمس سيادة واستقلال البلد المتلقى، ولا يوجد بلد متلقٍّ للمساعدات تكون له سياسة خارجية فاعلة ومستقلة، ومن ثم فالتخلص من هذه المساعدات يعنى تحرر الإرادة الوطنية من قيود مفروضة عليها.