يعانى قطاع الصحة فى مصر -شأنه فى ذلك شأن عديد من القطاعات الخدمية- من تدهور شديد، ولعل قضية هبة العيوطى الأخيرة أظهرت مدى استفحال الأزمة التى تواجه قطاع الصحة فى مصر، ليس فقط فى المستشفيات الحكومية لكن أيضا فى المستشفيات الخاصة. وفى محاولة البحث عن أهم التحديات التى تواجه هذا القطاع، وجدنا دراسة صدرت فى عام 2005 عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، تناولت قطاع الصحة فى مصر، ومن أهم التحديات التى أوردتها الدراسة انخفاض أجور مقدمى الخدمة الطبية بصفة عامة والأطباء بصفة خاصة وانخفاض الحوافز المادية لتشجيع الأطباء وأعضاء هيئة التمريض على الإقبال على العمل والاستمرار فى تقديم خدمات الرعاية الصحية الأساسية، وصعوبة تطبيق نظم خاصة لمتابعة ومراقبة الجودة لمقدمى الخدمات الصحية بوزارة الصحة، وإن كانت جميع الدراسات والتقارير تتناول المستشفيات الحكومية، فهل هذا التدهور فى مستوى الخدمة المقدمة إلى المريض وارد فى المستشفيات الخاصة مقارنة بما يدفعه المريض من أموال باهظة؟ ما يدفعنا إلى طرح هذا التساؤل أن الواقعة الأخيرة الخاصة بهبة العيوطى لم تحدث فى أحد المستشفيات الحكومية بل فى أحد المستشفيات الخاصة، حيث دخلت الضحية ذات السادسة والعشرين عاما المستشفى يوم 10 مايو 2014 لإجراء أشعة بالصبغة على الرحم، وكانت بصحبتها والدتها التى اضطرت إلى دخول غرفة الأشعة بعد سماعها صراخ ابنتها، فوجدت هبة ملقاة على الأرض تصرخ من شدة الألم، وسمعت الطبيب الذى قام بحقنها وهو يوجه سؤاله إلى الممرضة عن مدى تأكدها من المادة التى تم حقن هبة بها، وقبل أن تغادر الأم المستشفى، طلبت منها الإدارة تسليمهم وصل السداد واسترداد الأموال التى دفعتها!! أراد المستشفى بهذا الإجراء طمث الحقيقة وعدم تسجيل حضور الضحية إلى المستشفى من الأصل. نحن أمام حالة وصل فيها الإهمال إلى ذروته، حيث لم يقم الطبيب بالتحقق من المادة التى حقنت بها، ولم يتخذ أى خطوة لتصحيح خطئه، فى محاولة لإنقاذها كإجراء منظار فورى للتأكد مما حدث، لكنه تركها وهو يعلم بفداحة العواقب. فى اليوم التالى تدهورت حالة هبة واضطرت للذهاب إلى مستشفى آخر، وأجرت عملية لاستئصال جزء من الأمعاء نتيجة لتهتكها، وانتقلت بعدها إلى ألمانيا فى محاولة من الأهل لإنقاذها، لكن الله استرد وديعته وتوفيت هناك، وعلى الرغم من الخطوات الجيدة التى اتخذت فى هذا الصدد، والتى تمثلت فى سرعة الاستجابة من وزير الصحة والسكان الذى أحال ملف هبة العيوطى إلى النائب العام لاتخاذ الإجراءات القانونية الواجبة، وإصدار قرار بالغلق الإدارى للمركز الذى أجرت فيه الفحص بالأشعة حتى انتهاء التحقيقات، فإن المطلوب تشديد الرقابة على المستشفيات الخاصة وتوقيع عقوبات عليها وليس الاكتفاء فقط بغلق القسم الذى تسبب فى الوفاة، فضلا عن ضرورة وجود دراسات وافية عن وضع المستشفيات الخاصة وجودة ما تقدمه من خدمات. لم تكن هذه الواقعة هى الأولى من نوعها، وهناك عديد من الحوادث التى لم تصل إلى الإعلام، ومن القضايا التى استحوذت على اهتمام المجتمع المصرى كانت قضية السيناريست نادين شمس، وقبلها قضية الفنانة سعاد نصر رحمهما الله، حيث كان القاسم المشترك بينها هو الإهمال الذى وصل إلى درجة التواطؤ بمعنى عدم اتخاذ الخطوات الواجبة للحفاظ على حياة المريضتين بعد اكتشاف الخطأ والرغبة فى طمث أى دليل يدين المستشفى والأطباء. ففى حالة شمس، لم يستوف الملف الطبى الذى أرسله المستشفى كاملا التقارير الطبية اللازمة لإصدار تقرير طبى حول ملابسات الوفاة، ما أثار شكوكا حول ارتكاب عديد من الأخطاء الطبية وامتناع الفريق الطبى عن القيام بعديد من الفحوصات والأشعة والتحاليل اللازمة لإنقاذ حياتها، وفى الحالة الأخيرة فقد توفيت سعاد نصر بعد أن ظلت فى غيبوبة كاملة قرابة العام بعد إجراء عملية شفط دهون لها بأحد المستشفيات الخاصة، وقد قضت محكمة جنح مستأنف مدينة نصر بمعاقبة طبيب التخدير المتهم بالإهمال الطبى، وأكدت المحكمة فى حيثيات حكمها أنها اطمأنت لصحة إسناد التهمة وثبوت خطأ المتهم فى التعامل، والموافقة على إجراء تلك العملية للمجنى عليها فى مكان مشكوك فى إمكانياته وقدرته على إجراء عمليات جراحية، وأنه كان يتعين على طبيب التخدير أن يقترح أى مكان آخر لإجراء العملية، كما أنه لم يجر التحاليل والفحوصات الطبية قبل إجراء عملية التخدير. إن كان الذهاب إلى المستشفيات الخاصة بدافع عدم الثقة فى المستشفيات الحكومية، فقد أصبح الأمر سيانا، ففى بعض الحالات يدخل المريض لعلاج مرض معين فيخرج بأمراض أخرى عديدة، وهذا إن خرج من الأساس.