المشهد كله كان إعلانا عن عودة الدولة واستعادتها هيبتها، تلك الدولة العظيمة كادت تضيع من أيدينا، ما بين فوضى متعمدة، وفاشية تسترت بالدين لتحاول إعادتنا إلى العصور الوسطى، وإرهاب جاهل يظن أنه قادر على هزيمة شعب بأكمله، وتقويض مؤسسات دولة بحجم وتاريخ مصر. مشهد تسليم السلطة للرئيس السيسى كان إعلانا بانتصار دولة الحضارة على مشروع الهمجية، واحتفال الملايين فى ميادين التحرير بكل أنحاء مصر كان انتصارا لهذا المعنى، وفرحة بهزيمة من تصوروا أن مصر يمكن أن يتم تقسيمها أو التنازل عن بعض أراضيها أو تغيير هويتها. المشهد كله كان إعلانا عن عودة الدولة.. لكن السؤال يبقى: أى دولة؟ والإجابة دون أى تردد، إنها لا يمكن أن تكون الدولة التى كانت حين ثار الشعب فى 25 يناير، ولا تلك التى كانت حين استرد الشعب ثورته وأسقط الحكم الفاشى فى 30 يونيو، ولكنها الدولة التى نحلم بها ونسعى إليها منذ مئات السنين، وما نكاد نقترب من تحقيق الحلم حتى يتم إجهاضه.. حدث هذا مع مشروع محمد على، ثم مع مشروع جمال عبد الناصر وثورة يوليو، واليوم نبدأ من جديد، ومعنا خبرة السنين وتجارب الماضى بانتصاراته وهزائمه، وبإيجابياته وسلبياته.. ومعنا أيضا روح الثورة التى أسقطت فى ثلاث سنوات نظام الاستبداد، ثم فاشية الإخوان، ووضعت أقدامها على الطريق الصحيح لبناء الدولة التى نحلم بها. الدولة التى نبنيها هى الدولة الحديثة المدنية التى تقوم على المساواة والعدل، والتى قال عنها الرئيس السابق عدلى منصور فى خطابه الوداعى: إن مصر لن ترى بعد اليوم احتكارا للوطن أو الدين، وإن أحدا لن يساوم الشعب مرة أخرى على الخبز مقابل الكرامة، ولا على الأمن مقابل الحرية. الدولة التى أنقذناها من الفساد والاستبداد فى 25 يناير، ثم أنقذناها مرة أخرى من الفاشية الدينية فى 30 يونيو، التى صمدت ضد قوى الإرهاب ومحاولات الضغط والحصار، تحتاج الآن إلى جهود كل أبنائها كى تواصل مسيرتها لإقامة نظامها الجديد، الذى يقوم على مبدأ «المواطنة»، والذى يحمى الحريات ويقيم العدل، ويضمن كرامة كل مواطن على أرض وطنه. الدولة التى عادت تحتاج إلى كثير لكى تخرج من أزمتها الاقتصادية، لكن أكثر ما تحتاج إليه هو أن تستعيد قيمة العلم وحرية العقل وقدسية العمل، وأن تفتح كل الأبواب لتكون -كما كانت قبل ذلك- صانعة للحضارة ومنارة للتقدم. الدولة التى عادت ستكون مطالبة بإعادة تأهيل كل مؤسساتها لتسترد دورها كشقيقة كبرى للعرب، ولتكون -كما قال الرئيس السيسى فى خطابه الشامل أول من أمس- حارسة الأمن القومى العربى، ولتنتهى فترة الغياب التى طالت وكانت وبالا على مصر وعلى العرب جميعا. والدولة التى عادت هى الدولة التى تعرف أنه لا تقدم ولا تنمية ولا استقرار دون استقلال وطنى حقيقى. وإذا كان الرئيس السيسى قد أكد فى خطابه الشامل أن عصر التبعية قد انتهى، فإن ذلك يستلزم بناء القوة التى تحمى الاستقلال، والتى تكون ركيزة سياسة خارجية تعيد ترتيب أولوياتها بدءا من الدائرة العربية والإفريقية، والانفتاح على عالم جديد تتغير فيه موازين القوى، ونحتاج فيه إلى بناء جسور التعاون مع قوى صاعدة وصديقة، مثل الهند والبرازيل والصين، بعد سنوات التبعية التى وضعنا فيها 99٪ من أوراق اللعبة فى يد أمريكا لتفعل بالمنطقة كلها ما تشاء!! الاحتفال بتسلم الرئيس السيسى مقاليد السلطة كان احتفالا بعودة الدولة بعد محنة قاسية، الشعب الذى احتفل يعرف أن أمامه معارك قاسية ضد الإرهاب ومن أجل التقدم، لكنه كان يعلم ثقته بالدولة والرئيس الذى يقود المعركة. وكان يعرف أن تضحياته لن تذهب هباء، وأننا سنبنى الدولة التى تليق بالثورة، والتى طالت السنوات ونحن نحلم بها ونكافح من أجل بنائها رغم كل التحديات. عادت الدولة.. فلنجعلها الدولة التى تستحقها مصر وشعبها العظيم.