مَسَّ الرئيس الجليل عدلى منصور قلوب وعقول المصريين جميعًا بالكلمة الوداعية الرائعة التى وجهها إلى الشعب وهو يسلم الأمانة بعد ما يقرب من عام قضاه رئيسًا للدولة فى ظروف بالغة الصعوبة، استطاع خلاله أن يدير أمور الدولة بكل حكمة وحسم، وأن يعيد إلى الموقع هيبته التى كادت تضيع تمامًا مع حكم الإخوان البائس، وأن يقدم نموذجًا رائعًا لرجل يحكم بضمير القاضى ويتحمل المسؤولية مؤمنًا أنه حين يستدعى الأمر فلا يمكن لمصرى حقيقى أن يتأخر فى أداء الواجب مهما كانت التضحيات. حين تولى عدلى منصور المسؤولية كانت الدولة على وشك الانهيار، وكانت الأخطار تحيط بنا من كل جانب، وكان الشعب قد أسقط النظام الإخوانى الفاشى واستعاد ثورته وبدأ يؤسس للشرعية الجديدة وسط أصعب الظروف، وفى ظل إرهاب تربى على يد الإخوان وحلفائهم، ومع ضغوط دولية من الذين راهنوا على فاشية الإخوان وأدركوا أنهم قد خسروا الرهان، ومع ذلك صمموا على الاستمرار فى الوقوف ضد إرادة شعب مصر. عندما ننظر إلى الموقف يومذاك، وإلى الموقف الآن، ندرك حجم ما تحقق فى أقل من عام قاد فيه عدلى منصور سفينة الوطن إلى بر الأمان الذى حدده شعب مصر بإرادته الحرة، وبدعم الأشقاء العرب الذين لن تنسى مصر وقفتهم الشجاعة معها، وهم يتحدون قوى كبرى وعملاءها الكبار والصغار فى المنطقة. فى خطابه الوداعى وضع الرئيس منصور تجربة الشهور الصعبة فى الحكم أمام الشعب، وقدم وصاياه لنا وللرئيس المنتخب عبد الفتاح السيسى، لخّص الموقف فى جملة رائعة: «إن مصر لن ترى بعد اليوم احتكارًا للوطن أو الدين، وإن أحدًا لن يساوم الشعب مرة أخرى على الخبز مقابل الكرامة، ولا على الأمن مقابل الحرية». هذا هو جوهر النظام الذى نقيمه بعد الثورة، والذى قطعنا شوطًا كبيرًا فى الطريق إليه بإقرار الدستور وانتخاب الرئيس، ولم يبق إلا اختيار البرلمان الجديد، فى نفس الوقت الذى نخوض فيه المعركة ضد الإرهاب، ونبدأ فى إنقاذ اقتصاد مصر ووضع أسس الانطلاق لبناء مصر الحديثة التى نحلم بها وطنًا لكل أبنائها، نحرسه بالعدل والحرية. من هنا أتوقف أيضا أمام التحذير الحاسم الذى يضعه الرئيس منصور أمام عيوننا من جماعات المصالح التى تود -كما قال- أن تستغل المناخ السياسى الجديد لطمس الحقائق وغسل السمعة وخلق عالم من الاستفادة البشعة يمكّن هذه الفئات من استعادة أيام مضت، يود الشعب المصرى أن لا تعود أبدًا. هذا هو الخطر الذى يجب أن ننتبه إليه جيدًا، فليس «إخوان الإرهاب» وحدهم هم من يواصلون التآمر على الوطن بعد أن أسقطهم الشعب إلى غير رجعة، فأصحاب المصالح «كما يسميهم الرئيس منصور» لا يقلون خطرًا على مصر وثورتها، والمعركة معهم لن تقل ضراوة عن المعركة ضد الإرهاب، وعندما يأتى التحذير من الرئيس منصور شخصيا بكل هذا الوضوح، فهو بلا شك يأتى عن تجربة عاشها وحقائق عرفها، ويعرفها أيضا -بلا شك- الرئيس المنتخب. ضراوة المعركة ضد «أصحاب المصالح» تقتضى أن نفتح العيون جيدًا، فنحن نواجه فريقًا ما زال يملك الكثير من أدوات التخريب ووسائل التأثير ومناطق النفوذ، ومن هنا نجد أنفسنا أمام سؤال محورى وهو: كيف نضمن أن لا يقع البرلمان القادم فى يد هذه العصابة من أصحاب المصالح؟! والسؤال هنا يتصل -أولا- بالقانون الجديد وكيف يمنع هذا الخطر ويضمن أن يكون البرلمان جزءًا من الثورة ومعبرًا حقيقيًّا عن تطلعات الشعب؟ والسؤال يتصل بعد ذلك بالقوى السياسية المدنية، وهل ستتحرك معًا لدرء الخطر، أم أنها ستكرر أخطاء الماضى وتتفرغ لصراعاتها الصغيرة، تاركة الساحة لأصحاب المصالح وأعداء الثورة؟ كل التحية والإجلال للرجل النبيل.. الرئيس عدلى منصور.